للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينفى المشاهدات وإنما يثبت وينفى الشرعيات فكأنه صلى الله عليه وسلم قال لا عمل فى الشرع إلا بالنية ولا نكاح فى الشرع إلا بولى وذلك معقول من اللفظ فلا يجوز أن يكون مجملا.

وزعم جماعة من أصحاب أبى حنيفة أن قوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه مجمل لأن ظاهر اللفظ رفع الخطأ والنسيان والإكراه وهذه الأشياء موجودة قطعا فيجب أن يكون المراد منه معنى غير مذكور فافتقر إلى البيان.

وأما عندنا فالأصح أنه ليس مجمل لأن معقول المعنى فى الاستعمال١ ويمكن أن يقال أنه معقول المعنى لعلة أيضا لأن المراد من مثل هذا اللفظ رفع المؤأخذة ألا ترى أنه إذا قال لعبد رفعت عنك جنايتك عقل منه رفع المؤأخذة ورفع كل ما يتعلق بهذه الأفعال من التبعات وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبى رمثة وابنه حين قدما عليه: " أما أنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه" ٢ وليس المراد منه رفع صورة الجناية ولكن المراد منه نفى المؤأخذة فإن معناه لا تؤخذ بجنايته ولا يؤخذ بجنايتك وزعم بعض أصحاب أبى حنيفة أيضا فى قوله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] فقوله أيديهما مجمل لأنه يجوز أن يقال أنه أراد من المنكب ويجوز أنه أراد من المرفق ويجوز أنه أراد من الزند لأن الجميع تناوله باسم قطع اليد ويقال أيضا إذا برى القلم وجرح شيئا من أصابعه قطع فلان يده.

وقيل فى قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: ٣١] أنه أراد بذلك خدش اليدين لا القطع حقيقة.

والصحيح أن الآية ليست بمجملة بل هى عامة وحملها على القطع من المنكب صحيح لو لم ترد السنة بالقصر على الزند فقد خص ذلك بدليل دل عليه وقال دليل على التخصيص لا يخرج اللفظ من عمومه.


١ انظر إحاكم الأحكام للآمدي ٣/١٨, ١٩ المحصول ١/٤٧٢ نهاية السول ٢/٥١٨.
٢ أخرجه أبو داود الديات ٤/١٦٧ ح ٤٤٩٥ والنسائي القسامة ٨/٤٧ باب هل يؤخذ أحد بجريرة غيره؟ وأحمد المسند ٤/٢٠٢ ح ١٧٥٠٥.
٣ إحاكم الأحكام للآمدي ٣/٢٣ المحصول ١/٤٧١ نهاية السول ٢/٥٢٢ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>