للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

............................................................................


= فإن ظهر فيه قصد القربة ففيه أقوال ثلاثة:
أحدها: أنه يفيد الندب وهو المختار للإمام الرازي والبيضاوي وابن الحاجب.
ثانيهما: أنه يفيد الوجوب وهذا القول نقله القرافي عن مالك رضي الله عنه.
وإن لم يظهر في الفعل قصد القربة: ففيه أقوال الأول: يدل على الإباحة وإليه ذهب الإمام مالك وابن الحاجب وجماعة.
ووجتهم في ذلك: أن الفعل باعتبار صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو حكمه عن واحد من أمور ثلاثة: الوجوب أو الندب أو الإباحة ولا يكون فعله محرما لأنه كبيرة والرسل معصومون من الكبائر ولا يكون مكروها كذلك لأن صدور المكروه من عدول المسلمين نادر فكيف بمن هو أشرف الخلق أجمعين ولا سك أن كلا من الوجوب والندب جانب الفعل فيه أرجح وجانب الترك مرجوح والأصل استواء الفعل والترك من غير رجحان لأحدهما على الآخر: فلا يكون الفعل واجبا ولا مندوبا لأن ذلك خلاف الأصل وهو لا يثبت إلا بدليل والمفورض أنه لا دليل لواحد منهما فلم يبق إلا الإباحة نوقش هذا: بأن الغالب في أفعاله عليه السلام التي علمت صفتها الوجوب أو الندب والإباحة قليلة بالنسبة إليهما فإذا وجد فعل لم تعلم صفته وجب أن يلحق بالكثير الغالب وهو الوجوب أو الندب ولا يلحق بالقليل وهو الإباحة لأن الحمل على القليل فيه عمل بالمرجوح وترك للراجح وهو مخالف لما تقتضيه العقول السليمة وبذلك تنتفي الإباحة ويثبت إما الوجوب أو الندب.
القول الثاني: يدل على الندب وإليه ذهب الشافعي واستدل عليه بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
ووجه الدلالة من الآية: أن الله قال "لكم" ولم يقل: "عليكم" وهذا مشعر بأن الاقتداء به عليه السلام في الفعل الذي لم يقم دليل عليه وجوبه ليس واجبا لانتقاء ما يدل على الوجوب وهو "عليكم" ووصف الأسوة بأنها حسنة وذلك يوجب رجحان الاقتداء به عليه السلام على ترك الاقتداء به فتنتفي الإباحة لانتفاء استواء الطرفين "الاقتداء وعدم الاقتداء" كما ينتفي كل من التحريم والكراهة لأن جانب الترك فيها راجح والثابت من الآية ترجح جانب الفعل فلم يبق بعد ذلك من الأحكام إلا الندب وهو المطلوب.
نوقش بأن التأسي والاقتداء والمتابعة ألفاظ مترادفة معناها: الإتيان بمثل الفعل الذي فعل على الوجه الذي فعل عليه من الوجوب أو الندب أوالإباحة فهذه الأمور الثلاثة لا تكون إلا في الفعل المعلوم الجهة وبما أننا نتكلم في الفعل الذي لم تعلم جهته تكون الآية في غير محل النزاع.
القول الثالث: يدل على الوجوب وإليه ذهب بعض الشافعية كابن سريج وابن خيران وأبي سعيد الإصطخري.
واستدلوا على ذلك بالكتاب والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ} ووجه الاستدلال أن: {اتَّبِعُوهُ} في الآية أمر والأوامر يدل على الوجوب لأنه لا قرينة تصرفه.........=

<<  <  ج: ص:  >  >>