يصدر العدد ليكون أنفى للريبة وأبعد من التصنع لأنه قد ينتفى الارتياب عن عدد ويثبت بهم التواتر ولا ينتفى عن عدد هو أكثر فلا يثبت بهم التواتر وهذا لأن ما يدل عليه من شواهد أحوالهم مختلف فامتنع به حصر عدده وليس فيه نص مشروع١.
وقد ذكر بعض أصحابنا أن الشاهد الحال قد يقترن بخبر الواحد فيوجب العلم وذلك إذا وجدنا رجلا كبيرا عظيم الشأن معروفا بالمحافظة على رعاية المرويات حاصيا حاسرا رأسه شاقا جبينه وهو يدعو بالثبور والويل ويذكر أنه أصيب بوالده أو ولده ونقطع أنه لم يطرأ عليه عته ولا خبل وشهدت الجنازة وترى الغسال مشمرا يدخل ويخرج فبهذه القرائن وأمثالها إذا اقترنت بأخباره تضمنت العلم بصدقه وقد يوجد الكذب من الجم الغفير إذا ضمنهم حالة توجب اقتضاء الكذب وقد يقع التواطؤ على الكذب من الحد الكثير مكيدة بقصدهم بيانا وشر عادة.
والذى ذكرناه من قبل وهو أن الشرط أن يكون فى شواهد أحوالهم ما ينفى عنهم تهمة التواطؤ والكذب بدفع هذه التصويرات والمشهور من الأصحاب أنه لابد من عدد على الوصف الذى ذكرنا وقد تكلم الأصحاب فيما لا يثبت به التواتر من العدد فذهب أكثر أصحاب الشافعى رحمه الله إلى أنه لا يجوز أن يتواتر الخبر بأقل من خمسة فما زاد فعلى هذا لا يوجد أن يتواتر بأربعة لأنه عدد معتبر فى الشهادة الموجبة لغلبة الظن دون العلم.
قال الإصطخرى لا يجوز أن يتواتر بأقل من عشرة وأن جاز أن يتواتر بالعشرة فما زاد لأن ما دونها جمع الآحاد فاختص بأخبار الآحاد والعشرة فما زاد جمع الكثرة وقال قوم من غير أصحاب الشافعى أقل ما يتواتر به الخبر اثنى عشر لأنهم عدد النقباء لبنى إسرائيل قال الله تعالى:{وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً}[المائدة: ١٢] وقال قوم لا تواتر بأقل من عشرين لذكر الله تعالى لهذا العدد فى عدد الصابرين فى القتال قال الله عز وجل: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[الأنفال: ٦٥] وقال قوم لا تواتر بأقل من أربعين لأنه عدد نصاب الجمعة وقال قوم لا تواتر بأقل من سبعين لأنه العدد الذى اختاره موسى عليه السلام قال الله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا}[الأعراف: ١٥٥] .
١ نهاية السول ٣/٨٤ إحكام الأحكام ٢/٣٨ المحصول ٢/١٢٩ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/١٠٥.