للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قوم لا تواتر بأقل من ثلثمائة وثلاثة عشر عدد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر١ وهذه الأقاويل التى حكيناها عن غير الأصحاب ليست بشيء وليست بمستندة إلى أصل يعلم وخللها بين والاعتلال فيها مضطرب فلا معنى للالتفات إلى شىء من ذلك والذى ذكره أصحابنا من القولين أمثل الأقاويل والأولى أن لا يقع الالتفات إلى عدد ما سوى أنه كان يعتبر أن يكون أكثر من أربعة لما ذكره الأصحاب وإن قيل أن هذا العدد لا يعتبر أيضا لكن يعتبر وجود العلم بخبر المخبر لما يتصل به من شاهد الحال فيه صحيح أيضا على ما سبق بيانه والأحسن ما قاله أكثر الأصحاب.

مسألة الخبر المتواتر يفيد العلم عند جماعة العلماء

وعند بعض الناس أنه لا يفيد العلم وقد نسب ذلك إلى البراهمة والسمنية وهذا الخلاف خلاف لا يعتد به لأنه من قبل إنكار المحسوس وهو مثل خلاف السفسطائية فى رفع المحسوسات وتصور صورا ليزول الإشكال فنقول أن رجلا لو اعترض الناس وهم منصرفون من الجمعة فجعل الواحد والاثنان والجماعة يخبرون أن الناس قد صلوا الجمعة وتكاثر عليه هذا الخبر حتى أخبره الفوج بعد الفوج وخرج الأمر عن الحصر والعدد ولم ير أحدا منهم مخالف فى ذلك فإن السامع يجد فى نفسه وقوع العلم له فصلاتهم الجمعة بحيث لا يتخالجه شك ولا يدخله ريب ويجد قلبه ساكنا إلى ذلك وكذلك من دخل بلدا فاسترشد هذا إلى دار الوالى أو منزل الحاكم فأرشده الواحد بعد الواحد وذكروا أن سلوك هذا الطريق يفضى إلى داره وتواتر منهم ولم ير أحدا يخالفهم فى ذلك فإنه يقع العلم بقولهم ويعرف قطعا أنه إذا سلك هذا الطريق وصل إلى مقصوده وأصاب غرضه وكذلك لو أن رجلا يرى صبيا وسمع الناس يقولون أن والده فلان وقد مات عنه وتواتر له هذا الخبر من جيرته وعشيرته وسائر أقربائه ورآهم يخبرون بذلك فى السر والعلانية وحالتى الرضا والغضب ولا ينكر ذلك منكر ولا يخالفهم مخالف ودام الزمان على ذلك فإنه يجد نفسه ساكنا إلى قولهم معتقدا صحة ما أخبروه به من أمر هذا الصبى وهذا مما لا ينكره أحد له أدنى مسكة من عقل أو شمة من لب وقد استدلوا أيضا بوقوع العلم لنا بوجود البلدان النائية القرون الماضية والملوك السالفة.


١ انظر نهاية السول ٣/٨٥, ٨٦ البرهان ١/٥٦٩, ٥٧٠ المحصول ٢/١٣٢, ١٣٣ إحكام الأحكام للآمدي ٢/٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>