للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواحد مفهوم على القياس وقد نص عليه أبو حنيفة فى كتاب الصوم وغيره ولكنهم زعموا أن الخبر الواحد إذا خالف الأصول لم تقبل وزعموا أن خبر القرعة وخبر المصراة خالف الأصول وكذلك خبر الشاهد واليمين وزعموا أن خبر القهقهة وخبر الوضوء بنبيذ التمر خالف القياس فإنا نقول نعوذ بالله من الطمع الكاذب وأى مخالفة للأصول فى هذه المسائل التى قالوها وهل ورد أصل مقطوع به فى صورة مسألة القرعة أو صورة مسألة المصراة أو صورة مسألة الشاهد واليمين بخلاف مواجب الأخبار الواردة فى هذه المسائل وإنما غاية قولهم أن قياس هذه الحادثة على أمثالها يقتضى أن يكون الحكم كذا وهو أن يكون الحكم على خلاف ما ورد به الخبر هل هذا إلا رد الخبر بمحض القياس ونقول أن الحديث إذا ثبت صار أصلا فى نفسه إلا أنه ربما لا يكون له من حديث المعنى يظهر فى سائر أصول الشرع وعدم النظير لا يبطل حكم الشىء وإنما يبطله عدم الدليل وإنما صارت الأصول أصولا لقيام الدلالة على صحتها وثبوتها فإذا ثبت الخبر صار أصلا مثل سائر الأصول فلو وجب تركه لسائر الأصول لوجب ترك سائر الأصول به فإذا لم يلزم أحدهما لم يلزم الآخر وعلى أنهم قد استعملوا فى مذهبهم من هذا ما أنكروه من مذهبنا وهو قولهم الخبر فى الوضوء بنبيذ التمر وفى إيجاب الوضوء بالقهقهة وأما الذى قالوا: أن ذلك الخبر مخالف للقياس فى هذا مخالف الأصول تمنى باطل لأن دعوى خلاف الأصول فى المسائل التى ذكروها لا يصح إلا من حيث المعنى وهو محض القياس والعجب أنه كيف صار القول واجبا بهذه الأخبار التى ذكروها أعنى فى القهقهة والوضوء بنبيذ التمر وما أشبه ذلك مع ضعف أسانيدها وبطل القول بالأخبار الصحيحة فى مسألة المصراة والشاهد واليمين والعرايا والقرعة وما أشبه ذلك فهل هذا لا تحكم فى الدين واختيار قول غير أولى بأهل العلم وذوى العقول يدل على ما بينا أن أصل الأصول وأقواها هو الكتاب وقد بين الله تعالى ما حرم من النساء وعدده تعديدا ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فلم يمتنع علماء السلف والخلف من قبول الخبر فى تحريم نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها وأن كان الظاهر أنه مخالف الآية وقال تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} فقبلنا نحن الخبر وكذلك أهل العراق فى تحريم كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير وقبل عمر رضى الله عنه حديث حمل بن مالك بن النابغة فى الجنين وقضى به وقال لو لم ينسخ هذا لقضينا فيه بغيره فقبل الحديث وأن كان مخالفا.

<<  <  ج: ص:  >  >>