قالوا: فى ابتداء النصب وفى أركان الصلوات وفرقوا بين ابتداء النصب وبين توانى النصب فقبلوا الخبر الواحد فى النصاب الزائد على خمسة أواق لأنه فرع ولم يقبلوا فى ابتداء نصاب الفصلان والعجاجيل لأنه أصل واستدل من قال أنه لا يقبل خبر الواحد فى الحدود لأن الحدود موضوعها فى الأصل على أن الشبهة تسقطها وخبر الواحد يفيد الظن ولا يفيد العلم فلا يجوز إيجاب الحد به لأن أقل أحوال الخبر الواحد يحصل معه شبهة انتفاء العلم به وإيجاب الحدود مع الشبهة لا يجوز وليس كالشهادة حيث ثبتت بها الحدود ولأن كانت تفيد الظن ولا تفيد العلم لأن الحكم بالشهادة ثابت من طريق يوجب العلم فإن قلتم ثبت بطريق يوجب العلم فإن قلتم ثبت وهو الإجماع ونص القرآن وأما الحكم الذى يرد به خبر الواحد لم يثبت بطريق يوجب العلم فإن قلتم ثبت بطريق يوجب العلم وهو إجماع الصحابة فليس كما ظننتموه لأن إجماعهم إنما ابتناه باستدلال يوجب علمية الظن ليس أنه وجد منهم صريح الإجماع على ذلك حتى يكون موجبا للعلم وأما الشهادة فإن حكمها ثابت بالنص الصريح من الكتاب فى إجماع الأمة وهما دليلان موجبان للعلم وأما دليلنا وهو قول الأكثر من أصحاب أبى حنيفة وقد روى ذلك نصا عن أبى يوسف واختاره أبو بكر الرازى ووجه ذلك أن الدلائل التى دلت على قبول خبر الواحد لم تخص موضعا دون موضع فنقول الحدود شرع عملى من الشرائع فجاز إثباته بخبر الواحد دليله سائر الشرائع ولا وجه للفصل بين الحدود والنصب وغيرهما وقولهم أن الحدود تنتفي بالشبهة قلنا هذا لا يمنع من قبول خبر الواحد كما لا يمنع من قبول الشهادة وأما عذرهم عن الشهادة فليس بشىء لأن الشبهة إنما جاءت عندهم من عدم ثبوت العلم بخبر الواحد وهذا المعنى موجود فى الشهادة وقولهم أن العمل بالشهادة وجب بدليل موجب للعلم قلنا وكذلك الخبر الواحد وقد سبق بيان ذلك وقولهم أنه لم ينقل عن الصحابة صريح الإجماع قلنا اتفاقهم على ذلك فعلا صريح أو أعلى منه وقول من قال أن وجوب العمل بخبر الواحد لم يكن بدليل مفيد للعلم قول مخالف لقول عامة الأصوليين بل لا ندرى أنه قال به أحد منهم ثم نقول لهم قد قبلتم شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض فى الحدود فلا إجماع فى قبول شهادة أهل الذمة فإن قالوا: قد أجمعوا أن النبى صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين بشهادة اليهود وفعله صلى الله عليه وسلم موجب للعلم قلنا ومن قال أن انعقد الإجماع على ذلك والمعروف أنهما اعترفا بالزنا فرجمهما وإنما روى أن اليهود شهدوا بطريق شاذ فسقط ما.