للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصان سكوته فى هذه الصورة عن تسمية من يروى عنه اتهاما عظيما قادنا ما يقال فى هذا الباب أنه يقال يجوز أن يكون تركه اسمه لثقته بعدالته فاستغنى بها عن تسميته ويجوز أن يكون لجليل علمه منه لم يحب الكشف عنه وإذا احتمل هذا واحتمل الأول يصير كما لو قال حدثنى من لا أعرفه بعدالة ولا تصديقا بل من نظر فى المقدمة التى ذكرناها عرف أن الظاهر من الستر وطى الاسم ما قلناه من الوجه الثانى خصوصا إذا طرد الإرسال طردا ولم يبين من سمع منه الحديث فى شىء من تارات روايته لهذا الحديث فإن سألوا على هذا بما ذكرنا من كلامهم من قبل وهو أنه إنما سكت عنه لثقته بعدالته قالوا: وهذا هو الأولى والأليق بأمر المرسل أنه عمن لا يتهمه بالكذب والراوى ثقة ولا يروى عن ثقة كيف وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "من روى عنى حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين" وربما يقولون أن الأصل فى المسلمين العدالة فلا يحمل حال المروى عنه على عدم العدالة إلا بدليل يقوم عليه الجواب إنما نبين أولا قاعدة الإخبار ليتبين الجواب وهو أن الأخبار كلها متضمنة أمور الدين أما العلمية وأما العملية وما كان بهذا السبيل لا يجوز قبوله من كل أحد ولهذا لا تقبل الفتوى من كل أحد ولا بد أن يكون صادرا من أهل الفتوى وكذلك أمر الشهادة وهذا معنى قول ابن سيرين أن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه وإذا كان الأمر على هذا السبيل فى الإخبار لم يجز قبولها إلا عن عدل ثم يعتبر أن يكون عدلا عند المروى له لأن الرواية إذا شرع إليه كإلزام يتصل به وهو كالشهادة فإنه يعتبر عدالة الشهود عند الحاكم لأنهم يؤدون إليه الشهادة ولا تثبت عدالته عند المروى له إلا بعد معرفته بعينه فى صفته فإذا لم يعرفه أصلا كيف يحكم بعدالته عنده وقولهم أن روايتهم تعديل للمروى عنه قلنا للعدالة شرائط وأوصاف لا تحصل بمجرد الرواية وأيضا فإن الراوى قد يروى عمن عنده مقبول وعند غيره مجروح فلو قبلنا الرواية عنه من غير كشف عنه لكنا قد قبلناه تقليدا لا علما وأما قولهم أن الأئمة والعلماء لا يروون إلا عن ثقة قلنا هذا مجرد حسن الظن ونحن أيضا نحسن الظن بهم ولكنا مع هذا نجوز عليهم السهو والغلط وهذا سكوت عن اسم المروى عنه أمر محتمل فيجوز أنه سكت عنه لأنه نسى اسمه ويجوز أنه سكت عنه لأنه جهل حاله فلم يحب أن يذكره بجهله بحاله ويجوز أنه سكت عنه لأنه لم يحمد أمره فلم يحب أن يهتك ستره ويكشف حاله ويجوز أنه سكت لما قالوا: وأولى هذه الوجوه أن يكون سكت لضعفه وريبته فى أمره لما بينا أنه قد كان المعتاد منهم ذكر من.

<<  <  ج: ص:  >  >>