للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذكورة فى الخبر سنة مقيدة والكلام فى السنة المقيدة.

وإذا قال الصحابى كنا نفعل كذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بمنزلة المسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعض أصحاب أبى حنيفة لا يكون بمنزلة المسند وعلى هذا الخلاف إذا قال الصحابى كانوا يفعلون كذا على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وذهب من قال أنه لا يكون مسندا إلى أنهم كانوا يفعلون شيئا ولا يسندون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ترى أنهم لما اختلفوا فى "الماء من الماء" ومن التقاء الختانين وزعم بعضهم أنهم كانوا يفعلون ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى أنهم لا يغتسلون إلا من الماء١ قال عمر رضى الله عنه أو علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقركم على ذلك قالوا: لا قال فلا إذا وإنما نحن نقول أن الظاهر من أمر الصحابة أنهم كانوا لا يقدمون على شىء من أمور الدين والنبى صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم إلا عن أمره وإذنه فصار قولهم كنا نفعل كذا فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم بمنزلة المسند لهذا الظاهر والظاهر حجة ولأن الصحابة إنما تضيف مثل هذا القول إلى زمان النبى صلى الله عليه وسلم لفائدة وهو أن يبين أن النبى صلى الله عليه وسلم علم ذلك ولم ينكره ولا فائدة لهذه الإضافة سوى هذا ولو عرف هذا كان هذا القول بمنزلة الخبر المسند كذلك هاهنا وأن شئت عبرت عن هذا فقلت: إذا قال الصحابى كنا نفعل كذا فالظاهر منه أنه قصد بهذا الكلام أن يعلمنا حكما ويفيدنا شرعا ولن يكون كذلك إلا إذا كانوا يفعلونه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه يظهر له ذلك ولا ينكره وأما الذى ذكروه من اختلاف الصحابة فى الماء من الماء أو من التقاء الختانين فقد كان لا يجب الغسل بالتقاء الختانين فى ابتداء الإسلام ثم نسخ وأوجب به فلما نسخ لم يعلم بعضهم بالنسخ واستمر على ما كان عليه من قبل وقال الاستمرار والاستدامة يجوز أن يخفى أمره فأما الإقدام على ابتداء النهى فلا يفعل ذلك إلا عن إذن النبى صلى الله عليه وسلم.

وأما إذا قال الصحابى قولا لا مجال للاجتهاد فيه فإنه لا يجعل ذلك مسندا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقد قال طائفة من أصحاب أبى حنيفة أنه يجعل بمنزلة المسند.

وحرفهم فيما ذهبوا إليه هو أن حسن الظن بالصحابة واجب فإذا قال قولا يحسن الظن أنه لم ينقله جزافا وإنما قاله عن طريق فإذا لم يكن للاجتهاد فيه مجال فليس إلا أنه سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نقول أن إثبات الإسناد بهذا لا يمكن لأنهم لم يكونوا.


١ اتفق الفقهاء على وجوب الغسل عند التقاء الختانين ولو لم ينزل وخالفهم داود الظاهري وقال لا يجب الغسل ووافق ابن حزم الظاهري رأي الجمهور انظر المغني ١/٢٠٣ المحلى لابن حزم ٢/٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>