للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن الخبر الغريب علم يغالب الرأى وعن الغريب المستند علم ظن فهذه أربع مراتب تثبت الأخبار.

والدليل على هذا أن المشهور لما لم يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه التواتر ولكن بالآحاد تمكنت الشبهة بالاتصال إلا أنها لما اشتهرت فى السلف وتواترت ولم يظهر رد اطمأنت النفوس إلى قبولها والعلم والعمل بها.

قال والمشهور على هذا الوجه حجة يجوز بمثلها الزيادة على كتاب الله تعالى ويجوز نسخ الآية بها لأن السلف كانوا أئمة الدين وإجماعهم حجة ولم يكن فيهم تهمة ما تواتر النقل فيهم ولم يظهر رد منهم صار حجة من حجج الله تعالى حتى زدنا على كتاب الله الرجم وزدنا تحريم العمة على ابنة الأخ وابنة الأخت على العمة وكذا فى الخالة وابنة الأخت على كتاب الله تعالى وزدنا على أعضاء الوضوء الخف بالسنة والشائع على صوم كفارة اليمين والزيادة عندنا تجرى مجرى النسخ إلا أنا نفينا مع هذا شبهة الآحاد فلم نكفر جاحده وحططنا رتبته عن رتبة المتواتر فصار المتواتر علما يقينا من طريق الضرورة والمشهور يوجب علم اليقين أيضا إلا أن السامع متى تأمله حق تأمله وجد فى أوله ما يوجب ضرب شبهة فى آخره وكان دون العلم الواقع بالتواتر.

قال وأما الغريب المقبول فما اختلفت الفقهاء خلفا وسلفا فى أحكام الحوادث على ما ورد أخبار فيها متعارضة قبلها بعضهم وردها بعضهم بلا إنكار ولا تضليل وهو حسب اختلافهم فى المقاييس المتعارضة.

وأما الغريب المستنكر فنحو ما ذكرناه من الوجوه التى رد السلف بها الأخبار وربما يخشى الإثم على العامل به كما خشينا الإثم على تارك المشهور لأنه قرب من اليقين وهذا قرب من الكذب فيكون العلم به علم ظن على تحرى الحق كالذى تشتبه عليه القبلة فيتوجه إلى جهة على تحرى فلبه بلا دليل فهذا كلامه ذكرته على الاختصار وتركت كثيرا مما قاله لأنه لم يكن فيه شىء يستفاد.

واعلم أن عندنا الخبر الصحيح ما حكم أهل الحديث بصحته والذى قال من المشهور والغريب فلا ننكر أن فى الأخبار ما هو غريب ومنها ما هو مشهور ولكن لا يعرف المشهور من الغريب بإشهاره عند الفقهاء وعدم اشتهاره عندهم لأنه رب خبر اشتهر عند الفقهاء وأهل الحديث لا يحكمون بصحته وهو مثل ما يروون: "لا وصية لوارث" ١.


١ تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>