والضرب الثالث وهو النسخ بعد العلم به واعتقاد وجوبه قبل العمل به وقبل وقت عمله فقد اختلفوا في ذلك على ما سنبين.
مسألة يجوز عندنا نسخ الشيء قبل وقت فعله.
وقال أبو بكر الصيرفي لا يجوز وهو قول المعتزلة ولأصحاب أبي حنيفة في ذلك خلاف وذهب أكثرهم إلى أنه لا يجوز وذهب بعضهم إلى جوازه١ والمسألة تدور على أنهم يقولون مثل هذا النسخ يدل على البداء وعندنا لا يدل على ذلك وأما أكثرهم فقد تعلقوا بهذا الحرف وقالوا: نسخ الشيء قبل وقت فعله يؤدي إلى البداء والبداء لا يجوز على الله تعالى والدليل على أنه يؤدي إلى البداء أن الله عز وجل إذا قال لنا في صبيحة بوم صلوا عند غروب الشمس ركعتين بطهارة ثم قال عند الظهر لا تصلوا عند غروب الشمس ركعتين بطهارة كان الأمر والنهي متناولا فعلا واحدا على وجه واحد في وقت واحد وقد صدر من مكلف واحد إلى مكلف واحد وفي تناول النهي لما تناوله الأمر على الحد الذي تناوله من غير انفصال دليل أما على البداء وأما على القصد إلى الأمر القبيح والنهي عن الحسن وهذا لأن أمر الحكيم يدل على حسن المأمور به ونهيه يدل على قبح المنهي عنه فأما إذا أمر بفعل في وقت من الأوقات دل ذلك على حسنه فإذا نهانا عنه نهيا عما هو حسن والنهي عن الحسن قبيح كما أن الأمر بالقبيح قبيح وذلك لا يجوز توهمه على الله سبحانه وتعالى وهذا دليل المتكلمين ولأن الأمر لا بد له من فائدة وإذا جوزنا النسخ على ما قلتم سقطت فائدة الأمر قالوا: فلا يجوز أن يقال قد أفاد اعتقاد الوجوب والعزيمة على الفعل وإذا أفاد هذا سقط صفة البداء عن النسخ لأن المسألة مصورة فيما إذا كان النهي يتناول غير ما أمر به والأمر طلب الفعل وإذا جوزنا نسخه قبل وقت الفعل لم يبق للأمر فائدة فيما وضع الأمر له فأما اعتقاد الوجوب والعزم على الفعل فليس الأمر بموضوع لهما.
ببينة: أنه على ما قلتم يصير كأن الله تعالى قال اعزموا واعتقدوا وقوله افعلوا ليس بعبادة عنه لا لغة ولا شرعا ولا حقيقة ولا مجازا فصار الأمر أمرا بالفعل لا بغيره.
١ انظر المحصول ١/٥٤١ إحكام الأحكام للآمدي ٣/١٧٩, ١٨٠ روضة الناظر ٧١ تيسير التحرير ٣/١٨٨ المعتمد ٣٧٥ نهاية السول ٢/٥٦٢ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/٤٦.