فقيل وقت الفعل إذا نسخ يؤدي إلى ما ذكرناه ويؤدي إلى سقوط الفائدة عن الأمر وأيضا فانه لا بد أن يكون في الأمر بالعزم والأمر بالاعتقاد فائدة ولا فائدة في ذلك إذا لم يجب العزوم عليه أو سقط عنه وحله قبل وقته فإن قلتم أن الفائدة اختيار المكلف فهذا لا يصح لأن حقيقة الأخبار إنما يجوز على من لا يعرف العاقبة دون من يعرف العاقبة وأيضا فإيجاب العزم والاعتقاد على الإطلاق لا يحسن والمعزوم عليه غير واجب لأنه لا يحسن اعتقاد وجوب ما ليس بواجب.
دليل آخر لهم وهو أن المراد من الأمر هو الابتلاء بالامتثال والابتلاء بالفعل إنما يوجد عند أدراك وقت الفعل وأما قبل أدراك وقت الفعل فكيف يتصور الابتلاء بالفعل فإن قلتم أن الابتلاء باعتقاد الوجوب فقد ذكرنا أن الأمر بالفعل لا باعتقاد الفعل وقبوله والدليل عليه أن في أوامر العباد يكون المراد بها تحصيل للفعل كذلك في أوامر الشرع يدل عليه أن بمجرد الأمر يجب تحصيل الفعل بغير بيان يقترن به ولو كان يحتمل الفعل ويحتمل اعتقاد الفعل لما وجب تحصيل الفعل من غير بيان لأن المحتمل لا يوجب شيئا وهذا استدلال القاضي أبي زيد لهم والمعتمد هو الأول وأما دلائلنا في المسألة نستدل أولا بالوجود والدليل على وجود مثل هذا النسخ قصة إبراهيم عليه السلام فانه أمر بذبح أبنه بدليل قوله تعالى:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}[الصافات: ١٠٢] وقوله: {مَا تُؤْمَرُ} دليل على أنه كان مأمورا بذبح الولد ثم نسخه قبل أن يفعله وفداه بذبح عظيم فإن قيل أن إبرهيم عليه السلام لم يؤمر بذبح الولد الذي هو قطع الحلقوم وفرى الأوداج وإنما أمر بمعالجة الفعل الذي هو حكاية الذبح فانه روى أنه كان يقطع ويلتئم بقدرة الله تعالى بدليل أن الله تعالى قال: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا}[الصافات: ١٠٥] ومنهم من قال كان مأمورا بمقدمات الذبح لا بنفس الذبح قالوا: على الجملة لم يكن مأمورا بأكثر مما فعل بدليل ما تلونا من قوله تعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا}[الصافات: ١٠٥] قلنا هذا التأويل الذي قلتم خلاف ما يقتضيه لفظ الكتاب حقيقة لأن الذبح في اللغة هو الشق قال الشاعر:
كان بين فكها والفك ... فارة ممسك ذبحت في شك
أى شقت فدل أن الأمر تناول الفعل الذي هو شق الذبح يدل عليه لو كان الأمر على ما زعموه لم يكن لقوله:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[الصافات:١٠٧] معنى لأن الفداء لا معنى له من حصول الفعل المأمور به فإن الفداء اسم للذي أقيم مقام الشيء المفدى ولم.