للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمكن أيضا لقوله: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: ١٠٢] ولا لقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:١٠٦] وجه لأن معالجته مقدمات الذبح مع علمه بالسلامة لا يبلغ المبلغ الذي يقتضي هذا القول في عظم الامتحان فدل أن الله تعالى أمره بحقيقة الذبح ثم من عليه ونسخه قبل أن يفعل وأما قوله: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} [الصافات: ١٠٥] فمعناه والله أعلم أزمعت التصديق واعتقدت الفعل وأردت فعله إلا أن الله تبارك وتعالى أعفاك عنه وأبقى عليك ولدك انعاما ومنه يدل عليه قصة المعراج وفرض الرب عز اسمه خمسين صلاة ونسخها بخمس صلوات قبل الفعل فان قالوا: أن هذا الخبر واحد قلنا قد تلقته الأمة بالقبول وهو من قبيل التواتر على ما سبق وقد ذكرنا كلامهم على هذا وأجبنا عنه وعلى ذلك الجواب نستقيم الحجة في هذه المسألة وأيضا فإن الله تعالى أمر بالصدقة قدام نجوى النبي صلى الله عليه وسلم ونسخه قبل فعله وهم يقولون أن وقت الفعل قد كان حضر بدليل ما روى أن عليا رضي الله عنه استعمله ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح قريشا عام الحديبية وكان فيما شرطوه في الصلح أن يرد عليهم من جاء من المسلمين فيهم رجلا كان أو امرأة١ ثم نسخ الله تعالى ذلك فى النساء بقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فى فتح مكة: " وإنما أحلت لى ساعة من نهار" ٢ يعنى أحل القتال بمكة ثم قد اشتهرت الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من القتال فيها وكان ذلك قبل وقت الفعل والمعتمد هو خير إبراهيم عليه السلام٣ وخبر المعراج على الوجه الذي قدمناه ويمكن أن يتعلق بظاهر قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:٣٩] وأما دليلنا من جهة المعقول هو أن الدليل لما قام على حسن النسخ على الجملة فلا فرق بين أن ينسخ قبل وقت الفعل أو بعد وقت الفعل لأنه يجوز أن يكون المراد بالأمر هو اعتقاد الوجوب والعزم على الفعل إذا حضر وقته وبكون الله تعالى قد ابتلى عباده بهذا القدر وهو ابتلاء صحيح لآن الإيمان رأس.


١ أخرجه البخاري الصلح ٥/٣٥٨ ح ٢٧٠٠ ومسلم االجهاد ٣/١٤١ ح ٩٢/١٧٨٣.
٢ أخرجه البخاري الصيد ٤/٥٥ ح ١٨٣٣ ومسلم الحج ٢/٩٨٨ ح ٤٤٧/١٣٥٥ وأبو داود المناسك ٢/٢١٨ ح ٢٠١٧ والترمذي الديات ٤/٢١ ح ١٤٠٦.
٣ أخرجه البخاري أحاديث الأنبياء ٦/٤٦٩ ح ٣٣٦٧ ومسلم الحج ٢/٩٩٣ ح ٤٦٢/١٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>