للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيح وقد قلنا أنه أحد موجبي الأمر لأن قبول الأمر واعتقاد وجوب الأمر كان بالأمر قطعا فأما قولهم أن الأمر طلب الفعل قلنا صحيح في أوامر العباد فإنه لا يتناول إلا طلب الفعل فأما في أوامر الله تعالى فإن الإيمان والقبول رأس العبادات ولا بد أن ذلك موجبا للأمر بدليل أنه لو فعل الشيء ولم يعتقد وجوبه لا يصح وهذا لأن أمر العباد لا يكون بطريق الابتلاء إنما يكون بجر النفع والنفع يحصل بالفعل لا بالقبول فأما أوامر الله تعالى للابتلاء وليس بحر النفع لأن الله تعالى غني على الحقيقة عن الخليقة فإن قالوا: كلاهما مقصودان قلنا بلى من حيث الظاهر هما مقصودان ولكن بالنسخ تبين لنا أن المراد كان من الأمر هو الابتلاء بالقبول والاعتقاد أنه إذا نسخ بعد الفعل مرة وقد كان الأمر مطلقا يتبين أن الابتلاء كان بالفعل مرة أو مدة الحكم كانت مقصورة على هذا الزمان وأن كان مطلق الأمر بتناول الأزمنة كلها حتى لو لم يرد النسخ وجب الفعل في الأزمنة بقضية الأمر وقد ظهر بما ذكرنا الجواب عن كلامهم الثاني.

وأما قولهم أن الأمر يدل على حسن المأمور والنهي على قبحه فجواز مثل هذا النسخ يدل على التناقض أو يودي إلى أن ينهي عما هو حسن أو يأمر بما هو قبيح وربما يزيدون على هذا فيقولون أن الله تبارك وتعالى لا يأمر إلا بما هو صلاح للعباد فالأمر من الله تعالى يدل على أن المأمور به صلاح المأمورين وإذا كان صلاحا لهم لم يجز أن ينهاهم عنه ويمنعهم منه.

والجواب أن عندنا الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع فإذا أمرنا بالشيء فبالأمر عرفنا حسنه وإذا نهانا عنه زال المقيد لحسنه فزال حسنه وكذلك النهي يدل على قبح الشيء فإذا أرتفع النهي أرتفع قبحه فعلى هذا لا تناقض ولم يوجد النهي عن الحسن ولا الأمر بالقبيح وأما الذي ذكروا أن الله تعالى يأمر بمصالح العباد قلنا إذا اعتبرتم هذا فقولوا لا يجوز النسخ أصلا لأنه إذا كان المأمور به صلاح العباد فلا يجوز أن ينهي عما بصلحهم ولكن قيل لما نسخه تبين أن الصلاح كان إلى هذه الغاية كذلك هاهنا إذا نسخ دل النسخ أن الصلاح كان هذا القدر وهوا إلزام القبول وإيجاب اعتقاد الوجوب.

ببينه: أنه غير مستبعد في قضايا العقول أن يكون صلاح عبده في أمره بشيء ثم إذا علم واعتقد الوجوب يرى أن صلاحه في غيره وإنما قولهم أنه لا يحسن أن يصل النهي بالأمر فيقول: افعلوا لا تفعلوا قلنا إنما كان كذلك لأنه إذا وصل به لا يفيد الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>