للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولهم يجوز نسخ التلاوة ونسخ التلاوة يمحو حفظه عن القلوب إلى غير كتاب.

قلنا نحن إنما منعنا بالشرع والشرع إنما منع نسخ الكتاب إذا أتى بشيء آخر أن ينسخه إلا أن يكون الذي يأتي به خير منه وهذا لا يوجد في الموضع الذي صوره وإنما يوجد في موضع الخلاف لأن نسخ الكتاب وإثبات السنة التي هي دونه والشرع قد رفع هذا وأباه نصا على ما سبق ذكره والله أعلم.

مسألة فأما نسخ السنة بالقرآن.

فمن جوز نسخ القرآن بالسنة فأولى أن يجوز نسخ السنة بالقرآن فأما إذا منعنا نسخ القرآن بالسنة فقد اختلف في هذه الصورة الثانية وذكر الشافعي رضوان الله عليه في كتاب الرسالة القديمة والجديدة ما يدل على أن نسخ السنة بالقرآن لا يجوز ولعله صرح بذلك ولوح فى موضع آخر بما يدل على جوازه فخرجه أكثر أصحابنا على قولين أحدهما لا يجوز وهو الأظهر من مذهبه.

والآخر يجوز١ وهو الأولى بالحق.

واستدل من تعلق بالقول الأول بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] فلما جعل السنة مبينة للكتاب لم يحتج المبين إلى بيان أو يقال إذا كانت السنة مبينة للكتاب فلا يكون الكتاب مبينا للسنة لأن الشيء الواحد لا يكون مبينا ومبينا ولأنه نسخ للشيء بغير جنسه فلم يجز كما لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة على ما بينا.

واعلم أن الأولى والأصح أنه جائز والدليل على جوازه وجود ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم صالح المشركين عام الحديبية٢ وكان مما شرط في الصلح أن جاء من المشركات مسلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ردها إليهم ثم نسخها الله تعالى ونقض الصلح في ذلك على الخصوص بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] .


١ انظر نهاية السول ٢/٥٧٩ حاشية الشيخ محمد بخيت المطيعي ٢/٥٧٩ إحكام الأحكام للآمدي ٣/٢١٢ جمع الجوامع ٢/٧٨ تيسير التحرير ٣/٢٠٢ المستصفى ١/١٢٤ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/٦٠.
٢ تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>