عدم الخلاف منهم دليلا على وجود الإجماع وسيأتي الكلام في هذا بأكثر من هذا الذي ذكرناه وإذا ثبت وجود الإجماع فأول مسألة تذكر من ذلك كونه حجة.
مسألة: الإجماع حجة من حجج الشرع ودليل من دلائل الله تعالى على الأحكام وهو حجة مقطوع بها.
وقال النظام ليس بحجة وقالت الإمامية ليس بحجة من حيث الإجماع لكن الحجة في أن الإمام داخل فيهم وقوله مقطوع على صحته وذهب بعض من دفع الإجماع إلى أنه لا يتصور وجود الإجماع.
واعلم أن من يدفع الإجماع فإنه يسلك أحد مسالك ثلاثة:
أحدها: أن يحيل وقوع الإجماع.
والثاني: أن يحيل ثبوت الطريق إليه.
والثالث: أن يقول: ليس في الشرع ولا في العقل دليل على أن الإجماع حجة١.
أما الأول قالوا: أنه لا يمكن ضبط أقاويل العلماء على كثرتهم تباعد ديارهم ألا ترى أن أهل بغداد لا يعرفون أهل العلم بالمغرب فضلا أن يعرفوا أقاويلهم في الحوادث وكذلك من بالمشرق فدل أن معرفة قول الأمة بأجمعهم في الحوادث متعذرة لا سبيل إليها ثم قالوا: كيف يتصور اتفاق آرائهم في الحادثة مع تفاوت الفطن والقرايح وتباين المذاهب وتفنن المطالب وأخذ كل قوم صوبا من أساليب الظنون فيكون تصوير إجماعهم في الحكم المظنون بمثابة تصور إجماع العالمين في صبيحة يوم على قيام أو قعود أو أكل نوع من الطعام وأيضا لو تصور إجماعهم كيف يتصور النقل عنهم على التواتر والحكم في المسألة الواحدة ليس مما يتوفر الدواعي إلى نقله فنثبت أن تصور الإجماع بأنه متسلل وأيضا فإن الرجوع من كل واحد منهم موهوم ومع هذا الذي قلناه لا يتصور انعقاد الإجماع على وجه يؤمن معه الخطأ لأنه يستحيل أن يجوز على كل واحد من الأمة الخطأ ثم لا يجوز على جماعتهم كما يستحيل أن يكون كل واحد منهم مصيبا وجماعتهم غير مصيبين وأن يكون كل واحد منهم أسود وجماعتهم غير سود.
وأما المسلك الثاني وهو أنه لا طريق إليه لأنه لو انعقد الإجماع لكان لا بد أن يكون.
١ انظر نهاية السول ٣/٢٤٥ المحصول ٢/٨ إحكام الأحكام للآمدي ١/٢٨٦ المستصفى ١/١٧٣ المعتمد ٢/٤ روضة الطالبين ١١٦ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/١٤٥.