للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إجماعهم صادرا عن أصل فإن انعقد عن نص وجب نقله والاستغناء به وأن انعقد عن اجتهاد وأمارة مظنونة فلا يجوز ذلك لأنهم مع كثرتهم واختلاف هممهم لا يجوز أن يوجد إجماعهم عن الأمارات المظنونة يدل عليه أنكم جعلتم الإجماع حجة وإذا انعقد عن دلالة فتكون الدلالة هي الحجة لا الإجماع قالوا: ولا يجوز أن يقال ينعقد إجماعهم لا عن دلالة لأن الذين ينعقد بهم الإجماع ليسوا بآكد حالا وأعلى مرتبة من النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول: ما يقوله إلا عن وحي فالأمة أولى أن يقولوا ما يقولونه إلا عن دليل ولأنه إذا جاز لهم أن يقولوا إلا عن دليل جاز لكل واحد منهم أن يقول أيضا بغير دليل لأنهم إنما يجتمعون على القول بأن يقول: كل واحد منهم ونحن نعلم قطعا أنه لا يجوز لكل واحد منهم أن يقول بغير دليل وإذا لم يجز لآحادهم لا يجوز لجماعتهم وإذا ثبت أنه لا بد من دليل فتكون الحجة هي الدليل لا الإجماع.

وأما المسلك الثاني فيطالبون بإقامة الدليل قالوا: ولا دليل عليه لا من حيث العقل ولا من حيث السمع وقد تعلق بعضهم بالأمم السالفة وقالوا: لما لم يكن إجماعهم حجة فكذلك اتفاق هذه الأمة وتمسكوا بظواهر منها قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] ولم يذكر الإجماع ولو كان حجة لذكره ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال بم تقضي قال بكتاب الله قال فإن لم تجد في كتاب الله تعالى قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال أجتهد رأيي١ ولم يذكر الإجماع ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" ٢ وهذا يدل على جواز الضلالة على الأمة وإذا جازت الضلالة عليهم لم يكن إجماعهم حجة.

وأما حجتنا فتتعلق أولا بالكتاب وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣] والوسط من كل شيء خياره وقيل الوسط من يرضى قوله وقيل هو العدل والمعاني متقاربة وقال الشاعر:

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم ... وإذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

وأيضا فإن الله تعالى قال: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣] والشاهد أتم لمن.


١ أخرجه أبو داود الأقضية ٣/٣٠٢ ح ٣٥٩٢ والترمذي الأحكام ٣/٦٠٧ ح ١٣٢٧ وأحمد المسند ٥/٢٨٠ ح ٢٢١٢٢ انظر تلخيص الحبير ٤/٢٠١ ح ٥.
٢ أخرجه البخاري العلم ١/٢٦٢ ومسلم الإيمان ١/٨١ ح ١١٨/٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>