يجوز أن يقع الاكتفاء عن نقل الدليل بوقوع الإجماع وأما الذي تعلقوا به من الظواهر قلنا أما الآية وهي قوله تعالى:{فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: ٥٩] نقول لهم أن الآية دليلنا لأنه تعالى شرط في الرد إلى الكتاب والسنة وجود التنازع فدل أن دليل الحكم عند عدم التنازع هو الإجماع إذ لا بد للحكم من دلالة وعلى أن يرد الحكم إلى الإجماع رد إلى الكتاب والسنة وقد ذكرنا ذلك وأما حديث معاذ قلنا قد كان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع يكون بعد زمانه وأما قوله عليه السلام: "لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" ١ قلنا يجوز أن يكون قال ذلك لأقوام بأعيانهم ويجوز الخطأ والضلالة على أقوام بأعيانهم وأن تعلقوا بإجماع سائر الأمم قلنا قد قال بعض أصحابنا أن إجماع هذه الأمة وسائر الأمم سواء في كونه حجة وهو اختيار أبي إسحاق الإسفراينى وإن سلمنا فالفرق بين هذه الأمة وسائر الأمم هو أن عصمة الأمة طريقها الشرع ولم يرد الشرع بعصمة سائر الأمم وقد ورد بعصمة هذه الأمة ونفى الخطأ عنهم على ما سبق بيانه فافترقا لهذا المعنى ولأن اعتراض النسخ في دين سائر الأمم جائز.
ألا ترى كيف اعترض ونسخ الكل بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وإذا كان النسخ جائز لم يقع الحاجة فيها إلى عصمة الأمة وأما في شريعتنا فلا يجوز النسخ بل هذه شريعة مؤيدة فعصمت أمتها ليرجع إليها عند الخطأ والنسيان وليبقى الشرع بإجماع الأمة محفوظا.
فإن قيل أليس قال الله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ}[آل عمران: ٩٩] فقد جعلهم كما جعل هذه الأمة شهداء فيجب أن يكون إجماعهم حجة أورد هذا السؤال أبو زيد في أصوله وأجاب وقال يحتمل أن إجماعهم كان حجة ما كانوا متمسكين بالكتاب وإنما لم يجعل اليوم إجماعهم حجة لأنهم كفروا بالكتاب وإنما ينتسبون إلى الكتاب بدعوتهم ولأن تأويل الآية وأنتم شهداء بما فيه قبل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلم لا يشهدون الحق ألا ترى أنه قد سبقت هذه الآية أنه أخذ الميثاق بالبيان قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١٨٧] فدل أن المراد ما ذكرنا وأعلم أنا لما حققنا الإجماع حجة من جهة الشرع خاصة فقد قال بعضهم أنه حجة من جهة الشرع والعقل جميعا والصحيح هو الأول لأن العقل لا يمنع اجتماع الخلق الكثير على الخطأ ولهذا اجتمع اليهود.