الأنصاري رحمة الله عليه كان يستبيح أكل البرد في الصوم ويقول: أنه لا يفطر ولم يعد خلافه خلافا لأنه لم يكن من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم.
وقد قال بعض أصحابنا إنما يشترك الخاصة والعامة في معرفته فلا بد من إجماع الكل في الشيء لينعقد عليه الإجماع وقد ذهب إليه بعض المتكلمين وعندي أن هذا باطل ولا يعتبر قول العامة في شيء من الأحكام سوى أن كان من الأحكام الظاهرة التي يعرفونها أو من الأحكام التي لا يقفون عليها وما ذكرنا من الدليل يعم الكل فيوجب إخراج العامة وإطراح قولهم في الأحكام اجمع وعلى هذا نقول أن العلماء في النحو والعربية واللغة لا نعتبر قولهم أيضا في انعقاد الإجماع عن الأحكام وكذلك العلماء الذين لا يعرفون إلا التفسير وإنما يرجع إليهم في الوقوف على أقوال المفسرين من السلف وكذلك أمر المحدثين الذين لا يعرفون إلا الرواية فيرجع إليهم فيما يصح من الأخبار وما لا يصح.
وأما الفقهاء الذين يرجع إلى قولهم في انعقاد الإجماع فهم المجتهدون وسنذكر شرائط الاجتهاد من بعد.
وأما الذين يتكلمون في الجواهر والأغراض وعرفوا بمحض الكلام ولا يعرفون دلائل الفقه فلا عبرة بقولهم في الإجماع وهم بمنزلة العوام.
وأما المتفردون بأصول الفقه فإن وافقوا الفقهاء في ترتيب الأصول وطرق الأدلة كان خلافهم مؤثرا يمنع من انعقاد الإجماع وأن خالفوهم فيما يقتضيه استنباط المعاني وعلل الأحكام وغلبة الأشباه لم يؤثر خلافهم وانعقد الإجماع بدونهم والله أعلم.
وعلى الجملة إذا أجمع المفتون على المسألة وبقى قوم لا يستقلون بأنفسهم في معرفة حكم حادثة تقع لهم ويتعين عليهم في ذلك تقليد غيرهم فوجوب مراجعتهم في المسألة التي اتفق عليها الفقهاء المجتهدون محال.
ونقول في تقسيم الفقهاء أن من يعرف الفروع والأحكام ولا يعرف دلائلها وعللها فهذا ناقل يرجع إلى حفظه ولا يعول على اجتهاده ولا يرتفع الإجماع بخلافه.
وأما من يكون حافظا للأحكام والفروع بدلائلها وعللها مشرفا على الأصول في ترتيبها ولوازمها عارفا شبهها وأدلتها وعللها فهذا أكمل الفقهاء علما وأصحهم فيه اجتهادا وهذه الطبقة هم الذين يرجع إليهم في الإجماع والاختلاف.
وأما من يكون حافظا للأحكام والفروع بدلائلها وعللها غير عارف بالأصول وترتيبها.