والوجوب هو: طلب الفعل مع المنع من الترك على ولا شك أن الفعل متى كان مطلوبا صح أن يحكم عليه بأنه ما نحن فيه كما يصح أن يقال: إنه لا حرج فيه ومن هنا صح تعريف الوجوب بأنه الإذن في الفعل مع المنع من الترك كما صح تعريفه بأنه عدم الحرج في الفعل مع الحرج في الترك ويكون الوجوب له تعريفات ثلاثة كلها مقبولة. فالوجوب حقيقة مركبة من جزءين مما في التعريف الأخير: عدم الحرج في الفعل والحرج في الترك ولا شك أن المركب يرفع بارتفاع أحد جزءين كما يرفع بارتفاع كل الأجزاء. ومن هنا صح أنه يقال: إن نسخ الوجوب يتحقق بارتفاع الحرج في الترك كما يتحقق بارتفاع الجزءين معا وهما عدم الحرج في الفعل والحرج في الترك ولا شك أن الحرج في الترك نقيض لعدم الحرج في الترك والنقيضان لا يرتفعان كما لا يجتمعان فإذا نسخ الوجوب بارتفاع الحرج في الترك حل محله عدم الحرج في الترك لأنه نقيض له والنقيضان لا يرتفاعان. وتكون الحقيقة الباقية بعد رفع الحرج في الترك هي عدم الحرج في الفعل مع عدم الحرج في الترك وهذه الحقيقة هي الجواز بالإطلاق الثاني فهي شاملة لأحكام ثلاثة هي الندب والإباحة والكراهة. وقد اختلف الأصوليون فيما إذا نسخ الشارع وجوب الفعل بدليل لم يتعرض لحكم المنسوخ بعد نسخه بأن قال: الشارع نسخت وجوب الفعل أو قال رفعت الحرج في الفعل عنكم فهل يبقى الجواز بالإطلاق الثاني وهو عدم الحرج في الفعل مع عدم الحرج في الترك ويكون عدم الحرج في الفعل مستفادا من دليل الوجوب لأنه كان يدل عليه والناسخ لم يرفعه وإنما رفع الحرج في الترك ويكون عدم الحرج في الترك مستفادا من الدليل الناسخ لأنه لما رفع الحرج في الترك اقتضى ذلك أن يحل محله عدم الحرج في الترك لأنه نقيضه - والنقيضان لا يرتفعان - وبذلك يكون الفعل بعد نسخه صالحا لأن يكون مندوبا أويكون مباحا أو أن يكون مكروها - ويكون المعين لأحدهما بخصوصه هو دليل آخر أو إذا نسخ الوجوب فلا يبقى الجواز بالإطلاق الثاني وإنما يبقى الجواز بالإطلاق الثالث - وهو التخيير بين الفعل والترك على السواء وهو المعروف بالإباحة. أو إذا نسخ الوجوب فلا يبقى الجواز وإنما يبقى الندب أو إذا نسخ الوجوب فلا يبقى الجواز بل يعود الفعل بعد نسخ وجوبه إلى ما كان عليه قبل الوجوب فإن كان قبل الوجوب مندوبا........=