اختلف الأصوليون في ذلك على أربعة مذاهب: المذهب الأول: مذهب جمهور الأصوليين وهو إذا نسخ الوجوب بقي الجواز بمعنى عدم الحرج في الفعل وعدم الحرج في الترك ويكون الفعل بعد نسخ وجوبه صالحا لأن يكون مندوبا أو مباحا وخصوص أحدهما يعرف بالدليل. ووجهتهم في ذلك أن الدليل الذي دل على وجوب الفعل قد دل على شيئين أحدهما: عدم الحرج في الفعل وثانيهما: الحرج في الترك والدليل الذي نسخ الوجوب لم يتعرض لعدم الحرج في الفعل وإنما تعرض لنسخ الوجوب فقط ونسخ الوجوب يتحقق برفع الحرج في الترك - فلا يزال الوجوب بعد النسخ دالا على الحرج في الفعل والناسخ لما رفع الحرج في الترك اقتضى ثبوت نقيضه وهو عدم الحرج في الترك لأن النقيضين لا يرتفعان وبذلك يكون عدم الحرج في الفعل مستفادا من دليل الوجوب وعدم الحرج في الترك مستفادا من الناسخ وتكون الحقيقة الباقية بعد النسخ هي عدم الحرج في الفعل مع عدم الحرج في الترك ويكون الفعل صالحا للأحكام الثلاثة وهو ما ندعيه. المذهب الثاني: أن الوجوب إذا نسخ بقي الجواز بمعنى التخيير بين الفعل والترك على السواء وهو المعروف بالإباحة ووجهة أصحاب هذا المذهب أن الوجوب هو طلب الفعل مع المنع من الترك وما دام الوجوب قد نسخ فقد ارتفع المنع من تركه وأصبح دليل الوجوب غير دال على واحد منهما فيكون المكلف مخيرا بين الفعل والترك وهذا هو الإباحة. المذهب الثالث: إذا نسخ الوجوب بقي الندب فيترجح الفعل على الترك ووجهة أصحاب هذا المذهب أن الإيجاب هو طلب الفعل مع المنع من الترك فلا يزال الدليل دالا على طلب الفعل والذي يطلب فعله بعد الواجب هو المندوب فقط لأن المباح لا طلب فيه والمكروه إنما يطلب تركه لا فعله وبذلك يكون الحكم الباقي بعد نسخ الوجوب هو الندب فقط وهو ما ندعيه. المذهب الرابع: وهو لحجة الإسلام الغزالي أن الوجوب إذا نسخ لم يبق الجواز بل يعود الفعل إلى ما كان عليه قبل الوجوب فإن كان قبل الوجوب محرما كان محرما وإن كان قبل الوجوب مندوبا أو مباحا أو مكروها أخذ الحكم الذي كان عليه قبل الوجوب. وحجته في ذلك: أن الوجوب حقيقة مركبة من جنس هو عدم الحرج في الفعل ومن فصل هو الحرج في الترك وقد نص ابن سينا على أن الجنس يتقوم بالفصل ويوجد بوجوده بمعنى أن الفصل يكون علة للحصة المعنية من الجنس المتحققة في النوع ومما لا شك فيه أن ذهاب العلة يقضى بذهاب المعلول فيكون دفع الفصل رفعا للجنس فإذا ارتفع الوجوب بارتفاع فصله وهو.............=