للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب اعتقاده لأن ذلك يؤدى إلى خفاء الحق على جميع الأمة وهذا محال ولأن طريق الحق ظاهر فلا يجوز أن تخفى على جميع الأمة فإن قالوا: إنهم كانوا في مهلة النظر. قلنا: هذا ظن يحيد بكل أهل الإجماع وعلى ذلك لا يتصور امتداده إلى أن ينقرض العصر ولا يجوز أن يقال: إنهم اجتهدوا فأدى اجتهادهم إلى خلافه إلا أنهم كتموا لأن إظهار الحق واجب لا سيما مع ظهور قول هو باطل عندهم والتعلق بالتقية والهيبة تعلق باطل لأنهم كانوا يظهرون الحق ولا يهابون أحدا ولهذا ردت امرأة على عمر بن الخطاب رضى الله عنه في المغالاة في الصداق حتى قال عمر: امرأة خاصمت رجلا فخصمته١ وقال عبيده السلماني: رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك في الفرقة فقد كانوا يحتشمون من إظهار الخلاف لأنهم كانوا يعتقدون منهم فيقولون الحق وأما ابن عباس فقد كان صغيرا في زمانهم فلعله احتشم لصغره وعلى أنه قد أظهر من بعده. قال القاضي أبو الطيب: وإذا بطلت٢ هذه الوجوه دل أنهم إنما سكتوا لرضاهم بما ظهر من القول فصار كالنطق فإن قال قائل: إنما سكتوا لأنهم اعتقدوا أن كل مجتهد مصيب قلنا لم يكن من الصحابة من يعتقد ذلك وسنبين إن شاء الله تعالى.

مسألة: قد ذكرنا حكم القول المنتشر فإما القول الواحد من الصحابة إذا لم ينتشر إلا أنه لم يعرف له مخالف فلا يكون إجماعا لأنهم لم يعرفونه فيعتبر قوله أو ينكرونه٣ وأما الكلام في كونه حجة فإن كان موافقا للقياس فهو حجة إلا أن الأصحاب اختلفوا فقال بعضهم: إن الحجة في القياس وقال بعضهم: إن الحجة في قوله وأما إذا كان بخلاف القياس أو كان مع الصحابى قياس خفى والجلى بخلاف قوله: فقد اختلف قول الشافعي في هذا. قال في القديم: قول الصحابي أولى من القياس وهو قول أبى حنيفه وأحمد وجماعة وقال في الجديد القياس أولى٤


١ أخرجه الحافظ البيهقي في الكبرى في الصداق "٧/٣٨٠" الحديث "١٤٣٣٦".
٢ في الأصل "بطل".
٣ قال الآمدي: اختلفوا فيه والأكثر على أنه ليس بإجماع وهو المختار انظر إحكام الأحكام للآمدي "٣/٣٦٥" انظر المحصول "١/٧٦" انظر نهاية السول "٣/٣٠٢" المعتمد "٢/٧١".
٤ اعلم أنهم اختلفوا في اعتبار مذهب الصحابي حجة على غير الصحابي كاتابعين ومن بعدهم من باقي المجتهدين على مذاهب ثلاثة:
الأول: حجة مطلقا خالف القياس أو وافقه- وإلى ذلك ذهب مالك وأبو بكر الرازي من الحنفية والشافعي في أحد قوليه والإمام أحمد في بعض الروايات عنه:
الثاني: ليس "حجة مطلقا وهو مذهب جمهور الأشاعرة والمعتزلة والشافعي في أحد قوليه والكرخي.
الثالث: حجة إن خالف القياس وليس حجة إن وافقه انظر نهاية السول "٤/٤٠٧, ٤٠٨" إحكام الأحكام للآمدي "٤/٢٠١" انظر أصول الفقه للشيخ محمد أبو النور زهير "٤/١٩٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>