للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتج من قال بالأول بقوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"١ فقد جعل المقتدى بالصحابة مهتديا ولا يجوز العدول عن الاهتداء ولأن الصحابي إنما يحكم في شئ خبرا كان أو قياسا فإن كان عن خبر فالقياس متروك له وإن كان قياسا فإن الذي بان به من الفضيلة عن غيره وتميز عن من سواه من مشاهدة الرسول صلى الله عليه وسلم وحضوره نزول الوحى عليه ومعرفة مخارج كلامه يرجح قياسه على غيره فكان قوله أولى من القياس المجرد أما وجه القول الجديد هو أن القياس أصل من أصول الدين ودليل من أدلة الشرع والعمل به عند عدم النص واجب والدليل عليه خبر معاذ رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له: "فإن لم تجد في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله" قال: أجتهد رأيى"٢ والصحابي غير مأمون من الخطأ فيما يقوله فلو كان عنده خبر من الرسول لأظهره لأنه كان مأمورا بالتبليغ فلما لم ينسب القول مما حكم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم دل أنه إنما قال استنباطا وقد بينا أنه غير معصوم من الخطأ فيلحقه في الاجتهاد ما يلحق غيره من السهو والغلط وقد كانوا يرون في الحوادث آراء ثم يرجعون عنها لدليل يلوح لهم هو أقوى من الأول وإذا كان الأمر على ما ذكرنا لم يكن مجرد قول الصحابي حجة إلا أن الحادثة إذا تنازعها أصلان جاز أن يغلب أحدهما بموافقة قول الواحد من الصحابة كما قد يغلب أحد القياسين على الآخر بكثرة الأشباه وأيضا فقد قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] فالمراد به رد الحكم إلى الكتاب والسنة وهو رد إلى الله وإلى رسوله وأما


١ ذكره الحافظ ابن حجر في التلخيص وقال: أخرجه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر وفيه حمزة ضعيف جدا والدارقطني في غرائب مالك عن جابر وفيه جميل بن يزيد لا يعرف ولا أصل له في حديث مالك ولا من فوقه وذكره البزرا عن عمر وفيه عبد الرحيم ابن زيد العمى كذاب ومن حديث أنس أيضا وإسناده واهي انظر تلخيص الحبير "٤/٢٠٩- ٢١٠" ح " ١٥".
٢ أخرجه أبو داود: الأقضية "٣/٣٠٢" ح "٣٥٩٢" والترمذي: الأحكام "٣/٦٠٧" ح "١٣٢٧" وأحمد: المسند "٥/٢٧٢" ح "٢٢٠٦٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>