ودليل آخر أنا لو اعتبرنا انقراض العصر لم ينعقد إجماع ما لأنه قد حدث قوم من التابعين في زمان الصحابة كانوا من أهل الاجتهاد وشرط انقراض العصر يجوز مخالفتهم لهم لأن العصر ما انقرض ويجب على هذا انقراض عصر التابعين ومعلوم أنه لا ينقرض عصرهم إلا من بعد أن يحدث من تابعهم من هو من أهل الاجتهاد ويجوز لهم أن يخالفوا التابعين ثم يعتبر انقراض عصر تابعى التابعين ثم كذلك القول في كل عصر إلى قيام الساعة فلم يتصور على هذا انعقاد الإجماع في عصر ما وهذا باطل فيكون شرطا ما يؤدى إليه باطلا ولقائل أن يقول على هذا إنه لا يمتنع أن يكون المعتبر هو انقراض عصر من كان مجتهدا عند حدوث الحادثة لا من يتجدد بعد ذلك فلا يلزم اعتبار عصر التابعين إن أحدث منهم مجتهد بعد حدوث الحادثة والمعتمد أن الدليل قد قام أن الإجماع حجة وقد وجد الإجماع فوجب الحكم لقيام الحجة من غيره اعتبار انتظار لا انقراض العصر أو غير ذلك.
ببينة: أنا لو اعتبرنا انقراض العصر جوزنا أن يكون الأمة حين أجمعت على الخطأ وقد دللنا على أن هذا لا يجوز.
وأما الجواب عما تعلقوا به. أما الأول: قلنا قد كان عمر خالف أبا بكر رضى الله عنه في زمانه وناظره وقال: أتجعل من جاهد في سبيل الله بماله ونفسه كمن دخل في الإسلام كرها. فقال أبو بكر رضى الله عنه إنما عملوا لله فأجرهم على الله وإنما الدنيا بلاغ ولم يروا أن عمر رضى الله عنه رجع إلى قول أبى بكر رضى الله عنه فالظاهر أنه كان يرى التفضيل في زمان أبى بكر فلما صار الأمر إليه فضل على ن كان يعتقده وأما الذى تعلقوا به من فضل أمهات الأولاد قلنا قد روى عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يرون بيع أمهات الأولاد ومنهم جابر بن عبد الله وغيره١ فلم يكن وجد الاتفاق في زمان عمر رضى الله عنه وأما قول عبيدة السلمانى: رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك ليس فيه دليل على أنه قد كان وجد الإجماع بل يدل على أنه قد كان على قول عمر رضى الله عنه جماعة وليس كل جماعة يكون إجماعا وإنما اختار عبيدة أن ينضم قول على إلى قول عمر رضى الله عنهما لأنه يرجح قول
١ قال ابن المنذر: وقال جابر وأبو سعيد الخدري: كنا نبيعهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر الأشراف لابن المنذر "٢/٢١٣".