انقرض عصرهم على هذا وقد أثنى الله على التابعين بحسن المتابعة فإذا اعترضوا عليهم قطعوا الاجتهاد عن الحادثة لم يكونوا متبعين فدل أن الحادثة على ما رآه أهل العصر الأول فيها وأنها مستمرة على ذلك وهذا الحقيقة وهي أن علماء العصر إذا اختلفوا في الحادثة على مذهبين وذلك مثلا في تحليل وتحريم فقد تضمن ذلك إجماعهم من كافتهم على أن الخلاف سائغ من الحادثة فحصل في ضمن الخلاف الإجماع على جواز الخلاف فإذا صورنا الرجوع إلى أحد القولين من التابعين لم يجز لأنه مسبوق بالإجماع على جواز الخلاف فنقول: ما أجمعت الصحابة عليه لم يجز للتابعين إبطاله كما لو أجمعوا على قول وليس يلزم على هذا إذا اختلف الصحابة على قولين ثم أجمعوا على أحد القولين لأنا إن قلنا: إن انقراض العصر شرط في صحة الإجماع لم يسلم لوجود الإجماع على تسويغ الخلاف وأن قلنا إن انقراض العصر ليس بشرط وهو الأولى على ما سبق لم يسلم جواز الاتفاق على أحد القولين بعد هذا الاختلاف وقد حكى عن القاضى أبى بكر أنه جعل حكم الصورتين واحد وقال كما لا يجوز لأهل العصر الثانى أن يتفقوا على أحد القولين ويبطلوا به الخلاف المتقدم كذلك في أهل العصر الواحد أيضا لا يجوز أن يختلفوا على قولين ثم يتفقوا على أحد القولين فإن قيل لا يمتنع أن يتفقوا على تسويغ الاجتهاد بشرط أن لا يظهر إجماع فإذا ظهر الإجماع يسقط ذلك الاتفاق كما أنهم اتفقوا أن فرض العادم للماء التيمم ما لم يجد فإذا وجد الماء زال ذلك الاتفاق.
والجواب: أن دعوى هذا الشرط ليس عليها دليل بل حصل احتلافهم وجود الإجماع على تسويغ الاجتهاد وهذا الإجماع لا يجوز إبطاله بإجماع يوجد من بعد وأما مسألة التيمم فبعيدة عن هذا لأن النص قد دل على أن جواز التيمم مشروط بعدم الماء فإذا وجد الماء زال الشرط وأما ها هنا فإن أهل العصر الأول قد أجمعوا على تسويغ النظر على الإطلاق من غير شرط فهو بمنزلة إجماعهم على شرط واحد فلا يجوز أن يزول ذلك بإجماع يوجد بعده يدل على ما ذكرنا: أن الإجماع إذا حصل واستقر لم يجز أن يتغير بالاختلاف من بعد فكذلك إذا حصل الاختلاف واستقر لم يجز أن يتغير بالإجماع من بعد والاعتماد على الكلام الأول وقد قال بعض أصحابنا: إن القول إذا صدر عمن له في الدين تحمل لم يجز أن ينقطع حكمه بموته بدليل النبى صلى الله عليه وسلم فإن قيل: قد ورد خلاف ما صرتم إليه من الصحابة فإن أبا بكر كان يرى سبى المرتدات ثم اتفقوا