يحصل الامتثال بفعل المأمور مرة واحدة. فإن قالوا: أن الخلاف فى قضية الأمر فلا يجوز أن نلتمس ذلك من قضايا الشرع خصوصا فى الشرعيات التى تثبت على العادات.
قلنا بل هو على ما قلتم فى البر والحنث من قضايا الشرع لكن هذه القضايا جاءت على ما يوافق اللغة وهذا لأنه يجب أن نعرف مقتضى الأفعال ثم نبنى الشرع عليه فيستدل بإجماعهم فى هذه المسائل على أن الأوامر ما اقتضت الفعل إلا مرة واحدة على أنهم علموا أن الأمر لا يقتضى الفعل إلا مرة واحدة حتى بنوا الأحكام على هذا الأصل.
أما الجواب عما تعلقوا به قلنا أما تعلقهم بحديث الأقرع يقال لهم أولا لو كان الأمر يقتضى التكرار لم يقل أم للأبد بل كان ينبغى أن لا يشتبه عليه ذلك ثم نقول إنما سأله لأنه وجد أوامر فى القران مقتضية للتكرار لكن مثال لذلك لأنه ظن من هذا الأمر مثل تلك الأوامر.
فإن قالوا: نحن نتعلق بالأوامر التى وردت فى القران واقتضت التكرار.
قلنا نحن لا ننكر احتمال الأمر للتكرار لكن إنما أنكرنا أن يكون موضوعا لذلك فأما إذا وردت فأريد بها التكرار بدليل يقوم على ذلك فنحن لا ننكره وعلى أنه ورد فى القران من الأوامر ما لا يقتضى التكرار مثل قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨] ومثل قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢] وأما تعلقهم بالنهى واعتبارهم الأمر بذلك فغير صحيح فإنه يمكن أن يقال أولا لا نسلم أن النهى يقتضى التكرار لأن معنى التكرار أن يفعل فعلا وبعد فراغه منه يعود إليه وهذا لا يوجد فى النهى لأن الكف فعل واحد مستدام وليس بأفعال مكررة بخلاف الأمر فإنه يوجد فيه أفعال متكررة على ماذكرنا والأمر فيه دليل على الفعل وليس فيه دليل على إعادة الفعل بعد الفراغ منه وعلى أنه أن بينت الفرق الذى قالوه. فيقال لا فرق بينهما لغة فإن واحدا منهما لا يفيد التكرار لغة وإنما افترقا من حيث العرف فإن من قال لغلامه افعل كذا واخرج إلى السوق فإن هذا الأمر يقتضى أن يفعل مرة فقط وإذا قال لا تخرج أو لا تفعل يقتضى هذا النهى أن لا تفعل أبدا فالفرق كان من حيث العرف لا من حيث اللغة وقد قال بعض أصحابنا فى الفرق بين.