الأمر والنهى إن فى حمل الأمر على التكرار ضيقا وحرجا يلحق الناس لأنه إذا كان الأمر يقتضى الدوام عليه لم يتفرغ لسائر أموره وتعطل عليه جميع مصالحه وأما النهى لا يقتضى إلا الكف والأمتناع ولا ضيق ولا حرج فى الكف والامتناع وهذا لأن الوقت لا يضيق عن أنواع الكف ويضيق عن أنواع الفعل وهذا الفصل يضعف لأن الكلام فى مقتضى اللفظ فى نفسه وأما التضايق وعدم التضايق معنى يوجد من بعد وربما يوجد وربما لا يوجد فلا يجوز أن يعرف مقتضى اللفظ وعلى أنه يلزم على هذا الفصل أن يقتضى الأمر الفعل على الدوام إلا القدر الذي يعتذر عليه ويمنعه من قضاء حاجته وهذا لا يقوله أحد وقد بينا الفرق بين الأمر والنهى فى قولنا أن الأمر لا يقتضى فعلا على وجه التنكير وهو ما يخص فى الأمر ويعم فى النهى وهو جواب معتمد وأيضا فإنه يمكن أن نفرق بينهما بالمسائل التى ذكرناها فى البر والحنث وكذلك مسائل الوكالات.
وأما قولهم أن اعتقاد الوجوب يجب على الدوام.
قلنا لا يجب عليه إلا أن يعتقد وجوب الفعل مرة إلا أنه لا يجوز أن يترك هذا الاعتقاد لأنه يؤدى إلى أن يعتقد الشيء على خلاف ما هو به وهو مثل ما إذا قيل بمرة واحدة فإنه يلزمه إعتقاد وجوبه على ما يلزمه فى الأمر المطلق ومع ذلك هو غير مقيد للتكرار.
وأما قولهم أنه لوأفاد العمل مرة لم يجز عليه النسخ.
قلنا عندنا يجوز نسخ المأمور قبل وجود وقت فعله ولا يكون أداء فكيف يكون هذا أداء وسنبين ذلك من بعد.
وقد قال بعض أصحابنا إنا إذا قلنا أن الأمر على الفور ويقتضى الفعل مرة لا يجوز عليه النسخ وإنما يجوز النسخ عليه إذا دل الدليل على إفادته التكرار وأن قلنا أنه دليل على التراخى والأمر وأن اقتضى الفعل مرة ولكن الأوقات تتناوب فيه فجاز النسخ بعد ما مضى وقت واحد ولا يدل ذلك على الأداء وأما الذي قالوا: أنه ينبغى أن يحمل على العموم فى الجنس.
قلنا قد بينا أن التقدير فى اللفظ صل صلاة أو صم صوما وعلى هذا لا يجوز حمله على الإستيعاب فى الجنس وحين وصلنا إلى هذا الموضع فقد إنتهت المسألة.