للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولهم: إن الحليم لا يقتصر على أدنى البيانين مع قدرته على إعلامها. قلنا: في هذا الكلام تسليم أن القياس بيان ولا يمتنع أن يكون فيه مصلحة زائدة وإن كان أدون بيانا من غيره ولو وجب التعبد بأعلى وجوه البيان لوجب تعريفنا الأحكام كلها بالكتاب أو بالضرورة أو كان ينبغى أن يقع الاقتصار على النصوص الجلية المتواترة دون الآحاد لأنها أعلى بيانا من الخفية.

وأما قولهم: لو كان القياس حجة لكانت مع النص.

قلنا: ولم وما قلتم دعوى وعلى أنهم إن قالوا إنه يكون حجة مع النص على حكم الأصل فكذلك نقول يكون الخبر دلالة والقياس أيضا دلالة مطابقة له فإن قالوا مع النص على خلاف حكمه في الفرع فقد بينا ذلك في الخبر الوادد بخلاف قياس الأصول وعلى أنه لا يمتنع أن يكون حجة إذا انفرد وإذا عارضه النص كان النص أولى منه كما أن خبر الواحد حجة إذا انفرد وإذا اجتمع مع الخبر المتواتر أو مع نص القرآن كان أولى منه وأما تعلقهم بالآيات التي ذكروها فليس في شئ منها دليل على ما قالوه.

ويقال لهم: لم قلتم: إن الحكم بالقياس حكم بخلاف ما أنزل الله تعالى أو تقديم بين يدى الله ورسوله أو فيه آتباع ما ليس لنا علم به فإن الدلائل القطعية قد قامت على صحة القياس وهو في الحقيقة رد الفرع إلى أصله من الكتاب والسنة والحكم به حكم بما أنزل الله عز وجل ورد إلى الله والرسول واتباع ما لنا به علم. وقوله تعالى: {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: ٥٩] معناه إما على الجملة أو التفصيل وليس المراد منه على التفصيل لأن كثيرا من الأشياء التي لا تعد لم نجد تناولها الكتاب على التفصيل فدل أن المراد من تلك إما على هذه الجهة أو على تلك الجهة والكتاب والسنة وإن لم [يشتملا] ١ على بيان القياس على التفصيل فقد اشتملا على بيانه بالأجمل

ببينة: أنه قد وجدت أشياء كثيرة صارت ببينة بالسنة وليس لها في الكتاب ذكر ولكن لما دل الكتاب على الأخذ بقول الرسول صلى الله عليه [وسلم] ٢ ودل أنه لا ينطق عن الهوى جعل كأن بيانه كان بالكتاب كذلك هاهنا لما دل الكتاب والسنة على أن


١ في الأصل: "يشتمل".
٢ زيادة ليست بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>