للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس دليل الله وكان رد القياس إلى أصول ثبتت١ بالكتاب والسنة صار بما دل عليه القياس كما أن٢ الكتاب والسنة دلا عليه.

فإن قيل: إن استقام هذا لكم في سائر ما أوردناه فما قولكم في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] ومعلوم أن القياس دليل ظنى فإن قلتم إن وجوب العمل به كان بدليل قطعى فهذا لا يزيل الإشكال لأن القياس لما كان ظنا فيستحيل أن ينتج الظن علما قطعيا وقولكم: إن القياس يفيد العلم بوجوب العمل طبع محال. قلنا: الأقيسه لا تفيد [العلم] ٣ بوجوب العمل بأعيانها وإنما يقع العلم بوجوب العلم بالدلائل القطعية التي أقمناها عند وجود الأقيسة وإذا قررنا على هذا الوجه سقط هذا السؤال وعلى أن الشرع قد ورد باتباع كثير من الظنيات بدليل أن الحكام إنما يفصلون الأحكام بالشهادات المقامة في مجالسهم وهى دلائل ظنية لا قطعية وكذلك الأمارات المرجوع إليها في القبلة ظنية لا قطعية وكذلك في تقويم المتلفات وأروش الجنايات وكذلك التدابير في الحروب يجوز الرجوع إليها والاعتماد عليها ومعلوم أن الرأى في الحروب والتدابير التي تقع بين الناس ليس تفيد علما قطعيا وما زال الناس من قديم الدهر إلى حديثه ومن أولهم إلى آخرهم ومن سلفهم إلى خلفهم يرجعون إلى غالب الظنون ويعتمدون عليها وإذا حصرنا الأمور في المنتفيات وحملنا الناس على ما يفيدهم العلم الحقيقى بالأشياء فسد ما به قيام أمورهم وانسد ما به تقوم أكثر مصالحهم والإنسان يبعث الواحد في أمر ما [ويرسل] ٤ رسولا في شئ فيعتمد على تبليغه وفعله لما أرسله فيه ويسمع من الإنسان بالخبر في إباحة شئ أو في تحريمه أو طهارته أو نجاسته فيؤمر بالأخذ بقوله وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يبعث الواحد في الأمور ويعتمد على ما يخبره به وكان ذلك رجوعا إلى غالب الظن وأمثال هذا وقد ذكرنا في مسألة الخبر الوحد فالقياس عندنا بمثابة ذلك.

وقولهم: إن الاحتمال في الأخبار في طرقها لا في الأقوال المنقولة بل الأقوال


١ في الأصل: "يثبت".
٢ ثبت في الأصل: "كمام".
٣ ثبت في الأصل: "بالعلم".
٤ ثبت في الأصل: "ويرسله".

<<  <  ج: ص:  >  >>