وأما الجواب عما ذكروه. قلنا: أما قوله تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: ٣, ٤] فلا دليل من هذه الآية في موضع الخلاف لأن الآية نزلت في شأن القرآن ولأن الهوى عبارة عن هوى النفس الباطل لا عن الرأى الصواب عن عقل ونظر في أصول الشرع أما قولهم إن النبى صلى الله عليه وسلم قد توقف في أشياء قلنا: إن كان قد توقف في مواضع فقد اجتهد في مواضع على ما سبق وعلى أنه كان يجوز له أن يجتهد فيما له أصل من الكتاب فيحمل غيره عليه فأما ما لا أصل له فلا سبيل إلى الاجتهاد فيه.
فأما الذى اعتمدوه من قولهم إنه لو جاز الاجتهاد له لجاز لغيره مخالفته قلنا: نحن نقول: يجوز له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد وأما مخالفة غيره له حرام فإن قيل: كيف يحرم مخالفة قول صدر عن اجتهاد؟ ويمنع مجتهد آخر عن الاجتهاد فيه.
ببينة: أنه لا يتصور أن يحرم على غيره المخالفة إلا بعد أن يكون الدليل قطعيا وإذا لم يكن للنبى صلى الله عليه وسلم في نفسه قطعيا كيف يكون في غيره قطعيا. قلنا: بلى قد يجوز صدور١ القول عن اجتهاد لكن يحرم على غيره المخالفة لكونه نبيا في نفسه وإنما حرم المخالفة وإن صدر عن الإجتهاد لأنه صلى الله عليه وسلم كان معصوما عن الخطأ في الأحكام فإذا كان معصوما عن الخطأ محروسا عن الزلل كان مصدورا منه محكوما بصحته مقطوعا بذلك فلذلك حرمت المخالفة ومن استحل كفر ويجوز أن يصدر الحكم عن الاجتهاد ثم ينضم إليه ما يوجب القطع بالصحة ويتضمن تحريم المخالفة بدليل الإجماع الصادر عن الاجتهاد.
وأما قولهم: هل يقطع على العلة التي استخرجها أنها علة الحكم قلنا نحن نقطع بذلك لأنه واجب علينا اتباعه وهو لا يقطع بذلك لأنه مجتهد ولأنا نعلم أنها علة الحكم قطعا لما قام لنا من الدليل أنه معصوم عن الخطأ.
وأما قولهم: إن الاجتهاد بحضرته حكم بالظن مع إمكان التوصل إلى العلم قلنا: إذا اجتهد وأقر هو صلى الله عليه وسلم على ذلك فقد وقع لنا بحضرته العلم بذلك ولأنه إن أخطأ يمنعه منه على أنه يجوز الحكم بالظن مع أمكان العلم بدليل أنه لا يجوز الحكم بخبر الواحد من إمكان الرجوع إلى قول جماعة يقع الخبر بخبرهم والله أعلم.
وقد بينا اختلافهم في جواز الاجتهاد بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم وقد قال: بعضهم إذا أذن