للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد بذلك في أمور الدنيا. قلنا: قد كان النبى صلى الله عليه وسلم يشاورهم في أمور الدين بدليل المفاداة يوم بدر والمفاداة حكم شرعى وقد شاورهم في ذلك واختلاف أبى بكر وعمر رضى الله عنهما في ذلك معروف مشهور وقد روى أن خولة سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن ظهار زوجها منها فقال: "ما أراك إلا وقد حرمت عليه" فقالت: أشتكى إلى الله عز وجل فأنزل الله تعالى آية الظهار١ ويدل عليه أن النبى صلى الله عليه وسلم شاور الصحابة في أمر الأذان فاختلفوا عليه ثم إن عبد الله بن زيد رأى الرؤيا على ما عرف وقد روينا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضى الله عنه حين سأله القبلة للصائم: "أرأيت لو تمضمضت" ٢ وفي حديث الخثعمية "أرأيت لو كان على أمك دين؟ " ٣ قال تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣] وقد كان أذن لهم بالرأى ويدل على ما ذكرناه قصة داود وسليمان صلوات الله عليهما على ما ذكر الله عز وجل وهو قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} [الأنبياء: ٧٨] الآية وقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩] وكانا حكما بالاجتهاد وهذا كله بمعنى وهو أنه كما يجوز في العقول أن يكون مصلحتنا أن نعمل بالاجتهاد بالأمارة تددل عليه مرة ونعمل بالنص مرة إذا وجد كذلك جاز مثله في النبى صلى الله عليه وسلم وليس يحيل العقل ذلك في النبى صلى الله عليه وسلم ويصححه فينا كما لا يصححه في زيد ويمنع منه في عمرو لهذا يجب عليه وعلينا أن نعمل باجتهادنا في مضار الدنيا ومنافعها وإذا ثبت أن العقل ايمنع من التسوية بيننا وبين النبى صلى الله عليه وسلم وبين الأمة ولم يرد شرع يفرق بينه صلى الله عليه وسلم وبيننا صارت الدلائل مستمرة على عمومها واستدل من جوز الاجتهاد للصحابة بمحضر النبى صلى الله عليه وسلم بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر سعدا أن يحكم في أمر بنى قريظة٤ والرسول صلى الله عليه وسلم حاضرا وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمرو بن العاص أن يحكم بين نفسين على أنه إن أصاب فله عشر حسنات. فقال: يا رسول الله أجتهد وأنت حاضر؟ قال: "نعم" ولأنه إذا جاز الاجتهاد في غيبة النبى صلى الله عليه وسلم وخطأه لا يستدرك فلا يجوز بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم ولو أخطأ يستدركه النبى صلى الله عليه وسلم أولى وأحرى.


١ ذكره الحافظ السيوطي في الدر المنثور وقال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن خولة ... فذكره. انظر الدر المنثور "٦/١٨٠".
٢ تقدم تخريجه.
٣ أخرجه البخاري "٤/٧٧" ح "١٨٥٢" وأحمد: المسند "١/٢٩٥" ح "١٩٧٥".
٤ أخرجه البخاري: الاستئذان "١١/٥١" ح "٦٢٦٢" ومسلم: الجهاد "٣/١٣٨٨" ح "٦٤/١٧٦٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>