للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به الردع لا يتصور أن يعلمه إلا الله عز وجل وكذلك ما يكفر الإثم لا يعلمه إلا الله تعالى وربما عبروا عن هذا وقالوا إن وجوب الحدود مصالح للعباد والمصلحة لا تثبت بالقياس وأيضا فإن الحدود والكفارات تختلف بحسب المآثم والمآثم لا تعرف بالقياس وكذلك المقادير مشروعة على مقادير معلومة لمصلحة العباد وقد بينا أنه لا مدخل للقياس في معرفة المصالح قالوا ولأن القياس موضع شبهة لآنه إلحاق فرع بأشبه الأصلين فيبقى الأصل الآخر شبه والحدود تسقط بالشبهات فلا يجوز إيجابها بدليل لا يخلو عن الشبة وأما دليلنا وهو أن القياس دليل الله تعالى ودليل الله تعالى يجوز أن يثبت به الحدود والكفارات دليله الكتاب والسنة ويقال أيضا إثبات حكم شرعى بدليل من دلائل الله تعالى فجائز كما لو كان الحكم سوى الحدود والكفارات والقياس على خبر الواحد قياس معتمد لأن كل واحد من الدليلين لا يفيد إلا قوة الظن فإذا جاز إثبات هذه الأحكام بخبر الواحد جاز بالقياس والحرف المعتمد أن الدلائل التي قامت على صحة القياس قد قامت على الإطلاق من غير تخصيص موضع دون موضع فصار القياس صحيحا استعماله في كل موضع إلا أن يمنع منه مانع ولا مانع في الحدود والكفارات فإن قبل وجد مانع قلنا: بينوا فإن تعلقوا بالشبهة التي ذكرناها أخيرا في كلامهم وزعموا أن ما سقط بالشبهة لا يجوز إثباته بدليل مطلوب لأن الظان معترف ببقاء إمكان ما وراء ظنه فوجب أن يحصل الدرأ بذلك الإمكان فنقول على هذا أن خبر الواحد داخل على هذا فإنه لا يفيد إلا الظن ومع ذلك يجوز إثبات الحدود والكفارات به وأيضا فإنهم لم يمنعوا من استعمال القياس في القصاص والقصاص يندرئ بالشبهات قطعا ويدل عليه أن الحدود تثبت بالشهود عند الحكام وشهاداتهم لا تفيد إلا الظن ومع ذلك جاز إيجاب الحد بهما وكذلك الكفارة فسقط ما قالوه ثم المعتمد من الجواب هو أن وجوب العمل بالقياس ليس بمظنون وقد ذكرنا هذا من قبل ونعنى بهذا أنا جعلنا القياس حجة بالدلائل القطعية لا بدلائل مظنونة وأما تعلقهم بقولهم إن الحد للزجر عن المعصية والكفارة لتغطية المأثم وهذا لا يهدى إليه القياس قلنا: ولم قلتم: إنه لا يهتدى إليه بالقياس١ بل القياس يهتدى إلى كل ما يمكن استخراج معنى مؤثر منه ومسألتنا من هذا الباب لأن المسألة مصورة في مثل هذا الموضع ونظيره أن تستخرج معنى من الزنا إيجاب الحد فقياس اللواط وأيضا


١ في الأصل: "القياس" والصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>