للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورود الشرع في الفرع بخلاف ما في الأصل ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقضى القاضي وهوغضبان" ١ ومعلوم بأوائل النظر أن ما يتأوى الغضب من جوع مفرط وألم مزعج ونوم مذهل بمنزلة الغضب في المنع من القضاء وأبعد من هذه تعليل ما كان من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركا له في عبد فإن كان موسرا قوم عليه العبد" ٢ قيمة عدل يعلم أن الجارية بمنزلة العبد لتساويهما في الرق وجاز مع ذلك أن يرد الشرع بالمخالفة بين الغضب والآلام في القضاء بين العبد والجارية في التقويم ومن الناس من زعم أن هذا ليس بقياس ولكنه من معقول الكلام ومجرى الخطاب وإلى هذا ذهب الكرخى ومن يتبعه من أصحاب أبى حنيفة وذكر عبد الجبار الهمذانى قالوا: وإنما قلنا ذلك لأن القياس لا يدركه من ليس بقائس وهذا يستدركه من ليس بقائس ويشترك في استدراكه الخاص والعام ولو كان قياسا لاختص به أهل النظر والاجتهاد ولأنه لو كان ما ذكروه من هذا قياسا لاحتاج إلى أصل وفرع وعلة ولما جاز أن يكون الفرع أقوى من أصله وقد علم كل أحد أن المعقول من قوله: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أن الضرب والشتم أشد في المنع والتحريم من التأفيف والاصح أن ذلك ثابت من جهة القياس لأن غير المذكور لما علم بالمذكور على طريق الاعتبار فقد حصل معنى القياس وهذا لأن تحريم الشتم والضرب غير معقول من اللفظ لأنه لو عقل باللفظ لكان اللفظ موضوعا للمنع من الضرب والشتم إما في اللغة أو في العرف ومن البين أنه غير موضوع للمنع من الضرب والشتم في اللغة وكذلك في العرف لأن الناس لا يتعارفون هذا الاسم كذلك المعين فصار المنع من الضرب والشتم باعتبارهم بالتأفيف المنصوص عليه وبيان هذا أن الإنسان إذا سمع قول الله عز وجل: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء: ٢٣] علم أن هذا الكلام خرج مخرج الأمر بالإعظام لهما مع ما تقرر في الشرع من وجوب تعظيمهما وإذا علم هذا علم أن الله تعالى إنما نهى عن التأفيف لأنه ينافي التعظيم ولأنه إنما يفعل هذا القصد إلا استخفافا٣ فعلم أنه


١ أخرجه البخاري: الأحكام "١٣/١٤٦" ح "٧١٥٨" مسلم: الأقضية "٣/١٣٤٢" ح "١٦/١٧١٧" والنسائي: القضاء "٨/٢١٦" "باب النهي عن أن يقضي في قضاء بقضاءين" بنحوه.
٢ أخرجه البخاري: العتق "٥/١٧٩" ح" ٢٥٢١".
٣ ثبت في الأصل "استخفاف" والصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>