إنما نهى عن التأفيف لكونه أذى ويعلم أن الحكيم لا ينهى عن الشئ لعلة ويرخص ما فيه تلك العلة وزيادة بل يكون ذلك بالحظر والتحريم أولى فثبت ما قلنا وهو أن هذا من باب علم غير المذكور من المذكور بطريق الاعتبار فيكون بطريق القياس ولا ينكر سهولة مأخذ وقرب مسلك لهذا لأن هذا لا يخرجه عن كونه على طريق القياس لأن مراتب القياس قد تتفاوت في الجلاء والخفاء كما تتفاوت مراتب النصوص فمن ذلك ما يدرك بأول ما يفرع السمع ومن ذلك ما يحتاج إلى تأمل وتفكر وهذا الاختلاف لا يخرج ذلك عن كونه نصا وإنما يتميز النص من غير النص بما كان مذكورا في اسمه والقياس ما لا حظ له في الاسم وإنما أدرك معناه وأما الذى قالوه إن هذا لو كان قياسا لكان يحتاج إلى فرع وأصل وعلة وقد وجدها هنا لأن التأفيف أصل والضرب والشتم فرع والأذى علة وأما قوله إن غير القياس يعرف ذلك أو هذا مما يشترك في معرفته الخاص والعام قلنا: قد حققنا معنى القياس على ما سبق وهذا لأن هذا القياس في نهاية الجلاء والانكشاف فلأجل هذا اشترك في معرفته الخاص والعام ونقول إنه لا يعلم تحريم الشتم والضرب بهذا الخطاب إلا بالمقدمات التي قلناها إلا أن هذه المقدمات لا تحتاج إلى غامض محض فإن كثيرا من ذلك يعمله المكلف قبل الخطاب مثل قولنا: إن الحكيم لا يرخص فيما فيه علة المنع وزيادة ومثل قولنا: إن التعظيم مناف للأذى والاستخفاف وبعض ما قلناه إنما يعلم الإنسان مقترنا بالخطاب وذلك قولنا: إن هذا الخطاب خرج مخرج التعظيم فإذا كملت هذه المعانى لكل أحد جاز أن يسمى كل أحد قائسا لأن كونه قائسا يمنع هذه الأشياء فإذا وجدت كان قائسا كان عالما كان غير عالم
وأما قولهم إن الفرع لا يجوز أن يريد بيانه على الأصل قلنا: الأغلب هذا الذى قلتم وغير ممتنع أن يوجد في بعض المواضع بخلاف هذا كما نقول الروم أعقل من الزنج والترك أشد بأسا من الهند وقد يوجد الواحد من الزنج أعقل وقد يوجد الواحد من الهند أشد بأسا وإنما يطرد الأمر على ما قالوه إذا كانت الدلالة واضحة بالأكثر على الأقل فأما إذا وقعت بالأقل على الأكثر فإن الفرع يصير في التقدير أقوى من الأصل وهذا كما نقول في الكفارة في القتل العمد فإنه أقوى في الوجوب من الكفارة في القتل الخطأ وإن كان الخطأ هو الأصل لأن النص تناوله وكما أن من يخرج الحنطة في صدقه الفطر وقوته الشعير فإنه يكون ذلك أقوى في وجه الجواز من إخراج الشعير وإن كان الأصل هو الشعير لمن قوته الشعير فإن قيل: لو علم ما قلتم بالقياس الجلى يجوز أن لا