القياس قلنا: هذا الكلام دليل عليكم لأن الأدلة التي دلت على صحة القياس على الأصول وهذا القياس يوجد ببعض الأوصاف ثم البعض عن البعض لا يمتاز إلا بدلالة أخرى ألا ترى أن نصوص القرآن دلت أن الأمة شهداء في الأصل ولم يدل أن كل لفظ فهم شهادة بل دلت أنه يوجد منهم الشهادة وذلك يحصل ببعض الألفاظ ولا يتميز ذلك عن غيره إلا بدليل ولأن كل وصف لو صلح علة والأوصاف محسوسة مسموعة لشرك السامعون وأهل اللغة كلهم الفقهاء في المناسبات ولما اختص القياس بالفقهاء علمنا أن المقايسة مبنية على معان تفقه لا على أوصاف وأسامى تسمع وقد ذكرنا هذا من قبل بلفظ آخر.
وأما قولهم: إن علل الشرع أمارات وليست بموجبات قلنا: لا يسلم هذا الأصل على الإطلاق فإن الفقهاء وإن كانوا يطلقون هذا ولكن معنى ذلك أنها لا توجب بذواتها شيئا بل يجعل الشارع إياها موجبة وإن لم تكن بنفسها موجبة بل صارت موجبة بالشرع لا يمنع أن يقوم الدليل على أن القياس إذا احتاج صحته إلى علة فلابد أن تكون العلة مناسبة للحكم مؤثرة فيه مقتضية إياه وقد دللنا أنه لابد من ذلك.
فإن قيل: ما قولكم في الشرع إذا نصب الطرد علما هل يجوز أم لا؟ قلنا: يجوزقالوا إذا جاز من الشارع جاز من المعلل قلنا: وإن جاز من الشارع لكنه لا يكون علة.
لكنه تعريف للحكم أو تجديد له ولو ذكر الشرع الحكم من غير علة له قوبل بالقبول فإذا ذكره وذكر علما عليه قبل وصدق أيضا وهذا لأن الشرع له التحكم علينا كما يشاء ولكن ليس لنا التحكم على الشرع كما شئنا فتبين الفرق قطعا وباقى ما ذكروه ليس بشئ ينبغى الاشتغال به وفيما ذكرناه من قبل جواب عنه وقد ذكر القاضى أبو الطيب إن الإطراد زيادة دعوى والدعوى لا تثبت بزيادة الدعوى قال: ولأن القياس الفاسد قد يطرد ولو كان الاطراد دليل صحة العلة لم يقم هذا الدليل إلا على الأقيسة الفاسدة فالأقيسة الفاسدة المطردة مثل قول من يقول في إزالة النجاسات بغير ماء مائع لا يبنى عليه القناطر ولا يصطاد منه السمك فأشبه الدهن ومثل من يقول في الكلب أنه كلب فيكون نجسا كالكلب الميت ومثل من يقول في مس الذكر مس ذكره فصار كما لو مس وبال ومثل من يقول في وطء الثيب شرع من نافد فصار كما لو مشى في شارع أو أدخل من يدخل في المدخل فصار كما لو أخرج رأسه من الروزنة وأدخل رجله في الحف