فى الدليل على صحة العلة طريق السبر والتقسيم وهو أن يبحث الناظر عن المعانى في الأصل ويتتبعها واحدا واحدا وبين خروج آحادها عن الصلاح للتعليل به إلا واحدا يرضاه.
واعلم أن الفصل اختلف فيه أهل الأصول وهو أن القائس إذا خالفه قائس آخر في علة الأصل فأبطل هذا القائس علة خصمه هل تصح علته؟ فبعضهم قال: يدل ذلك على صحة العلة مثل الحنفى يبطل علة الكيل فتصح بذلك علته التي يدعيها لأن القائلين بالقياس اتفقوا على أن إحدى العلتين صحيحة والأخرى باطلة فإذا بطلت إحدى العلتين صحت الأخرى ضرورة وهذا الوجه في تصحيح العلة ضعيف لأن البطلان ضد الصحة فكيف يكون دليل الصحة ولأن الصحة لا تدل على الصحة مع تجانسها فكيف يدل البطلان على الصحة مع تضادهما وهذا لأنه يجوز أن تكون العلتان جميعا فاسدتين ويكون الصحيح العلة الثالثة ويجوز أن لا يكون المنصوص عليه معلولا بعلة ما وأيضا فإن العلم ببطلان إحدى العلتين لا يدل على صحة العلة الأخرى إذا توهم البطلان قائم في العلة الأخرى ولأن شرط صحته العلة أن يكون مخيلا مقتضيا للحكم الذي ربط به وإن بطلت العلة الأخرى لا يثبت هذا المعنى لهذه العلة وقولهم إنهم اتفقوا على أن إحدى العلتين صحيحة قلنا ليس على هذا الوجه بل كل فريق يقول علتى صحيحة وعلة الخصم باطلة وإن بطلت علته لا يعترف بصحة علة الخصم لأنه مقيم على اعتقاد بطلان علة الخصم سواء صحت علته أو بطلت.
فإن قيل: قد اتفقوا أن هذا الأصل معلول وإذا اتفقوا أنه معلول فلابد أنه إذا بطلت إحدى العلتين صحت الأخرى.
قلنا: إنما اتفقوا على أن الأصل معلول بعلة صحيحة لو وجدت فإذا لم نجد علة صحيحة لا يكون معلولا ونقول أن بطلت علتي ولم يدل البطلان على صحة علتك بقيت علتى صحيحة وعلتك غير مدلول على صحتها فيكون الأصل من قبيل ما هو معلول إلا أن تأتى بعلة وتدل على صحتها.
وذكر أبو زيد عن بعضهم أن العلة المخيلة ما يوقع في القلب خيال الصحة وذلك بالملاءمة والصلاحية.
وتقسيم الملاءمة أن يكون على وفق ما جاء به الشرع من المقاييس المنقولة عن السلف وعن الصحابة. قال: وعلماؤنا قالوا ما لم يقم الدليل على أن الوصف ملائم