للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا ادعى جريانها على المعنى فلا شك أنه لا يمكنه الوفاء به وإن سلم أنها خارجة على قاعدة المعانى الشرعية وصار يطلب فارقا معنويا بين البيع الفاسد والكتابة. فقال للمعلل: إن النقض إنما يلزم المعلل من جهة أنا نطالبه بطرد المعنى في كل موضع يوجد فيه فإذا سلمت أن النقض خارج حائد عن مسلك المعانى لم يدخل على الأصل المعنوى ولم يبطل به ذلك المعنى ولا فات به قوة الظن وهذا مثل إيجاب الدية على العاقلة لا يرد نقضا على الأصل الذى قلناه من قبل وهذا لأن الشاذ لا يورد نقضا على الأصول الكلية بل يترك الشاذ على شذوذه ويحكم بخروجه عن المنهاج المستقيم على قواعد الشرع بدليل دل على ذلك ولا يحكم بمصادمته أصلا كما لا يحكم بمصادمته أصل أياه وعلى هذا مسألة المزابنة وجعل الخرص سببا لمعرفة المماثلة والخلاص به عن الربا وعلى هذا مسألة الجنين وإيجاب الغرة من غير أن يعرف للجنين حياة ومن غير أن يبلغ بالواجب ضمانات النفوس ومن أحكم ما قدمناه سهل عليه الخروج عن مثل هذه المسائل واعلم أن هذه المسائل ليست ترد على الأصل الذى قدمناه وقد اختار أبو زيد في هذه المسائل جواز القول بتخصيص العلة واستدل بما قدمناه ثم سأل على نفسه سؤالا فإن قيل: لو جاز القول بتخصيص العلة ما اشتغل أهل النظر بالجواز من النقوض كما في العمومات ولاكتفوا بقولهم كانت علتى توجب كذبا فخصصها بدليل وبالإجماع لا يكتفى بذلك وأجاب وقال: إنما لم يكتفوا لأن دعواهم أن هذا الوصف علة قول بالرأى ويحتمل الغلط فإذا وجدنا الوصف ولا حكم معه واحتمل عدم الحكم لفساد العلة واحتمل لمانع ولم تثبت جهة الانعدام لمانع بنفس الدعوى حتى تقيم عليه الدلالة بإظهار المانع في تلك الحادثة دون هذه وأما النظر فلا يحتمل الغلط فلا ينبغى لإنعدام الحكم مع وجود النص إلا الخصوص الذى يليق بكلام الشرع فلم يحتج إلى أن يثبت هذا الوجه ثم قال: وفرق ما بيننا وبينهم في الخروج عن المناقضة أنا خرجنا عن المناقضة بمعنى فقهى وهم خرجوا بلفظ سمعى إلا أن الدفع باللفظ يسير لآنه ظاهر محسوس والمعنى عسر لأنه باطن معقول فمالت النفوس بهواها إلى الظاهر الميسر ولعمرى لو أنصفوا وعدلوا أنفسهم على ترك المعنى الفقهى بسبب الحرج الذى يلحقهم لشكروا من تحمل المشقة وجاهد هواه حتى وصل إليه وذكر في هذا كلاما طويلا ولا حاجة إليه ونحن قد بينا الدلائل المعتمدة في منع تخصيص العلة فيبقي أن يكون الكلام على ذلك والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>