للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يقع في الرتبة العليا والرتبة التي تليها إلى استيعاب مدارك القول ومعانيها ثم نقيس النظر على ما نرسمه منها ما يدانيها فليقع الكلام في القصاص وما يقتضى إيجابه ويجب اندفاعه قال: أوجب الله تعالى القصاص في كتابه زجرا للجناة وكفا لهم فأشعر بذلك نفى قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٩] واتفق المسلمون على هذه القاعدة ولم ينكرها من طبقاتهم منكر. ثم قال أئمة الشريعة: كل مسلك يطرق إلى الدماء السفك ويخرم قاعدة الزجر فهو مردود فإن المقصود المتفق عليه من القصاص صيانة الدماء وحفظ المهج مما يخالف هذا ولو قدر ثبوته كان مناقضا لهذا الأصل فلا سبيل إلى قبوله وإثباته وإذا تمهد هذا فكل معنى يستند إلى هذه القاعدة ويوافقها من غير اختلاف في مجراه فهو على المرتبة العليا من أقيسة المعانى وهذا مثل في القول في القتل بالمثقل١ فلا شك أن من نفى القصاص في القتل بالمثقل٢ مناقض للقاعدة من جهة أن القصد بهذه الالات التي اختلف فيها ثابت وهو ممكن لا عسر في إيقاعه ثم ليس القتل بها مما يندر فإذا لم يتعسر ولم يندر كن نفى القصاص عن القتل بها مضادا لحكم الشريعة في القصاص وإذا ناكر الخصم العمدية في القتل سفه ولم يستفد منه إيضاح عسر القتل ولئن تشبث بتعبد في آلة القصاص كان ذلك في حكم العبث فإن تقدير التعبد مع ما تمهد من الحكمة يناقض الحكمة المرعية في العصمة فليفهم الفاهم مواقع التعبد وإن تمسك بصورة من العكس وقال الجرح الذى لا يغلب إفضاءه إلى الهلاك إذا هلك أوجب القصاص كان هذا غاية في خلاف الحق فإن الحرج لاختصاصه بمزيد الغور وإمكان السريان إذا اقتضى القصاص حسما لمادة الجناية وردعا للمعتدين فكيف يستجير لما رد عليه إسقاط القصاص بالقتل الذى يقع بالأسباب التي تقتل لا محالة فهذا على قياس المعنى لا حاجة في ربطه بالقاعدة التي تكلف نظر أو تحرير أو تقريب وتقرير ويخالف ما وقع في هذه الرتبة مائل عن الحق على قطع وليس القول في ذلك دائرا في فنون الظن وما يكون بهذه


١ أي أن يضربه بغير محدد مما يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله انظر المغنى "٩/٣٢٢".
٢ قال الحسن وروى ذلك عن الشعبي وقال ابن السيب وعطاء وطاوس: العمد ما كان بالسلاح وقال أبو حنيفة: لا قود في ذلك إلا أن يكون قتله بالنار وعنه في مثقل الحديد روايتان انظر المغنى "٩/٣٢٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>