وعلى القطع نعلم وجود السبب القوى من الشهود فيكون علة لوجوب القود عند رجوعهم مثل القتل من الولى يكون علة لوجوب القود عند رجوعه فإذا أوجب القتل على الولى عند رجوعه واعترافه وإن قام الشهود على شهادتهم فيكون التسبب علة لوجوب القود على الشهود إذا رجعوا وإن كان الولى مقيما على زعمه وإن قتل بحق وبأمثال هذا الكلام تعرف مقادير الرجال ويظهر مراتبهم والفقه أعز علم خاض فيه الخائضون ومنه مدارك الأحكام وهو البحر ذو التيار وفيه المغاصات على دور المعانى فلا يقع عليها إلا من أيد بنور من الله تعالى ومنه قيل: إن العلم نور يقذفه الله تعالى في قلوب من يشاء من عباده وقد كنا ذكرنا في خلافيات الفروع أن شهود القصاص قتله حكما ودللنا عليه وهذا الذى ذكرناه هاهنا أحسن.
وأما مسألة إيجاب الحد على المرأة إذا نكلت عن اللعان فهو يبتنى على أن اللعان حجة شرعية لتحقيق الزنا على المرأة ولعانها حجة شرعية لدفع الحد عنها وكذلك الأيمان في القسامة حجة شرعية على تحقيق القتل على المدعى عليه نعم يجوز أن يقال: إن هذه الحجة لا تشبه سائر الحجج ونحن لم نعرف الحجج في جميع المواضع إلا بالشرع البحت والتعبد الخالص من غير خلط وإذا كان اللعان حجة سقط استبعاد إيجاب الحد على المرأة ومن نظر في كلمات اللعان وتأملها عرف أنه ما وضع إلا لتحقيق الزنا على المرأة وما وضع في الشرع لتحقيق شئ فلابد أن يتحقق وإذا تحقق الزنا عليها سقطت الاستبعادات والإنكارات جملة وأما اختلاف القول في القسامة واتحاد القول في مسألة اللعان فيجوز إن يقال: إنه لاتحاد الواجب في الزنا واختلاف الواجب في القتل ويجوز أن يكون له ما قاله والله أعلم.
واعلم أنا ننكر مراتب المعانى وأن يكون بعض المعانى أوضح من البعض لكن لا على هذه الوجوه التي قالها والإخالة والتأثير قد يترتب فإنا نعلم أن الإخالة في الطعم لتحريم البيع دون الإخالة في شدة التحريم المسكر والإخالة في الثيابة لإيجاب الإذن والإخالة للبكارة في إفادة الإجبار مثل الإخالة في الطعم أو دونه بيسير إلا أن كل واحد من المعانى له علقة بالقلب وإشعار بالحكم الذى علق به وقد سبق من هذا ما فيه غنية.