للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما في القرآن لأنهم اعتقدوا أن الكل بمنزلة من الله تعالى وأن الإنسان متخير في القراءة بأى آي شاء على ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف" ١.

فأما الآراء في الحروب فيجوز أن يقال: إنهم صوب بعضهم بعضا لأنهم ربما كانوا يعتقدون أن غيرهم أعلم بوجوب الحرب ومعرفة المكائد فيها أو كان يعتقد أنه كانت التجربة فيها بصاحبه أكثر منه وهذا غير مستنكر منهم.

فأما تصويب بعضهم بعضا في الاجتهادات فلا يعرف ذلك بحال.

واستدل الأصحاب أيضا وقالوا: إن القولين المتضادين في مسائل الاجتهاد كالتحليل والتحريم والإيجاب والإفساد لا يخلو إما أن يكونا صحيحين أو فاسدين أو أحدهما صحيحا والآخر فاسدا ولا يجوز أن يكونا فاسدين لأنه يؤدى إلى أن يكون الشئ الواحد حراما وحلالا صحيحا فاسدا وهذا محال فلم يبق إلا أن يقال: إن أحدهما صحيح والآخر فاسد وهذا الحقيقة وهو أن كل واحد من مسائل الاجتهاد إما أن يكون فيها أمارة هى أقوى من غيرها وإما أن يكون فيها أماراتان متكافئتان على قول من يجوز ذلك وإن كان فيها أمارة هي أقوى من غيرها فقد كلفت المجتهد إصابتها والظن لها والحكم بها فمتى عدل عنه فقد أخطأ وإن كانت فيه أماراتان متكافئتان فقد كلف إذا إصابة تكافئهما الظن لهما أو يحكم بالتخيير بين حكميهما فمتى عدل عن ذلك فقد أخطأ فلا بد من وجود الخطأ في كل واحد من الموضعين والدليل على أنه كلف إصابة الأمارة القوية من حيث غلبة الظن أو الإصابة لتساوى الأمارتين إن جاز تساويهما بأن المجتهد طالب وإنما هو طالب في هذا الموضع أمارة مقربة للظن ومعلوم أن المجتهد ليس يقصد باجتهاده الظفر بأضعف الأمارات ولا هو كلف ذلك فصح أنه كلف الظفر بأقواهما.

فإن قيل: فهل يجوز أن تعتدل الأمارات عند المجتهد في المجتهد.

قلنا: لا يجوز ذلك وإنما قلنا ما قلناه على التقدير ومذهب الفقهاء أنه لا يجوز اعتدال الأمارات بحال ولا بد أن يكون لإحدى الأمارتين ترجيح على الأخرى.

وقد جوز أبو على وأبو هاشم ذلك.


١ أخرجه النسائي: الافتتاح "٢/١١٣" "باب جامع ما جاء في القرآن" وأحمد: المسند "٥/٥٢" ح "٢٠٤٥٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>