وندل في هذا الموضع على أنه يجوز. فنقول: لو تعادلت الأمارتان في القوة لم يكن الحكم لإحديهما أولى من الحكم بالأخرى وفى ذلك إثبات حكميهما.
أما على الجمع فذلك غير ممكن وأما على التخيير فالأمة مجمعة على أن المكلفين غير متخيرين في مسائل الاجتهاد ولأنه لو تعادلت الأمارتان أدى إلى الشك في الحكم وذلك لا يجوز.
وإنما قلنا: إنه يؤدى إلى الشك لأن الرجلين المتساويين في الصدق لو أخبرها أحدهما أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وأخبر الآخر أنه صلى في الكعبة وأنه شاهده منذ دخلها إلى أن خرج منها وقد عرف أنه لم يدخلها إلا مرة واحده وأخبر الآخر انه رآه صلى فيها فإنها تشكك هل صلى فيها أو لم يصل فيها ولا يظن أحدهما ولا كل واحد منهما وإنما لا يظن أحدهما لأنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر وكيف يترجح ولا دلالة في الترجيح ولا يجوز أن يظن كلاهما لأن ذلك مستحيل فإنه يستحيل أنه صلى ولم يصل وإذا عرف هذا في هذه الصورة فهكذا تكون الأمارات المستنبطة.
فإن قال قائل: هلا قلتم بالتخيير إذا تعادلت الأمارتان؟
قلنا: التخيير بين النفى والإثبات لا يصح إلا على معنى الإباحة والإباحة حكم واحد فكيف يقال فيه: إنه مخير؟
فإن قالوا: إن الإباحة هى التخيير بين الفعل والكف عنه على الإطلاق وأما في هذه المواضع فإنما يقال للمكلف: افعل إن اعتقدت كون الفعل مباحا ولا تفعله إن اعتقدت حظره.
الجواب أنه يقال لهم أليس إن الاعتقاد بحظره وإباحته علم فلا بد أن يقال بلى فيقال له فما الطريق إلى كون ذلك علما فإن قالوا بثبوت الأماره أو الدلالة.
قلنا: وفى كل واحد من القولين أمارة ودلالة فكيف يجوز أن يقال: إن الطريق له في العلم بالإباحة أمارة أو دلالة وأنتم تجوزون ألا يعتقد الإباحة ويعتقد الحظر.
فإن قالوا: إن الطريق إلى العلم بالإباحة أو العلم بالحظر أن يختار المكلف اعتقاد أحدهما.
قيل: اختيار الإنسان أن يعتقد شيئا ليس بدليل على صحة معتقده فيكون اعتقاده علما ولو جاز ذلك لجاز أن يختار الاعتقادات كلها باختيارنا علوما وكيف يجوز ذلك