للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهده فثبت عند التقريرات أن اللائق منهج الشرع ومحاسن الدين ومسالك الحق أن يكون الحق على ما اخترناه.

ولقد تدبرت فرأيت أكثر من يقول بإصابة المجتهدين هم المتكلمون الذين ليس لهم في الفقه ومعرفة أحكام الشريعة كثير حظ ولم يقفوا على شرف هذا العلم وعلى منصبه في الدين ومرتبته في مسالك الكتاب والسنة وإنما نهاية رأس ما لهم المجادلات الوحشة وإلزام بعضهم بعضا في منصوبات وموضوعات اتفقوا عليها فيما بينهم فكل يلزم صاحبه طرد دعواه وعند عجزه يعتقد عجز صاحبه وفلح نفسه وقد رضى بهذا المقدار من غير أن يطلب النفائس أو تلج صدورا في إقامة دليل يفيد يقينا أو بصيرة وهذا هو أعم أحوالهم إلا في النازلات النادرة فنظر هؤلاء إلى الفقه ومعانيه بأفهام كليلة وعقول حسيرة فعدوا ذلك ظاهرا في الأمر ولم يعتقدوا لها كثير معانى يلزم الوجوب عليها.

وقالوا: لم يكلف المجتهد إلا محض ظن يعثر عليه بنوع أمارة وليس يستقيم تكليفه سوى ذلك وليس هاهنا حق واحد مطلوب وربما عبروا عن ذلك فقالوا: إنما كلف المجتهد أن يعمل بحسب ظن الأمارة لا بحسب الدلالة وليس على أعيان الفروع أدلة أصلا وقالوا ليس مطلوب المجتهد إلا الظن للأمارة ليعمل على حسب ظنه وهذا الذى قالوه في غاية البعد وهو أن يكون مطلوب المجتهد مجرد ظن والظن قد يستوى فيه العالم والعامى وقد يكون بدليل وقد يكون لا بدليل فدل أن المطلوب حكم الله تعالى في الحادثة بالعلل المؤثرة والإشارة القوية ولابد من الترجيح لمعنى على معنى ولشبه على شبه وهذا إنما يقف عليه الراسخون من الفقهاء والذين عرفوا معانى الشرع وطلبوها بالجهد الشديد والكد العظيم حتى أصابوها فأما من ينظر إليه من بعد ويظنه سهلا من الأمر ولا يعرف إلا مجرد ظن يظنه الإنسان يعثر هذه العثرة العظيمة التي لا انتعاش عنها ويعتقد تصويب المجتهدين بمجرد ظنونهم فيؤدى قوله إلى اعتقاد الأقوال المتناقضة في أحكام الشرع وأن يكون الشئ حلالا وحراما واجبا مباحا صحيحا فاسدا موجودا معدوما في وقت واحد والكل عند الله تعالى صواب وحق ثم يؤدى قوله إلى خرق الإجماع. والخروج على الأمة وحمل أمرهم على الجهل وقلة العلم وترك الحفل١ والمبالاة بما نصبوا الأدلة لها وكدوا فيها وأسهروا لياليهم


١ أي: الجماعة. انظر القاموس المحيط "٣/٣٥٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>