للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بد من ترجيح إحدى الأمارتين على الأخرى ثبت أن القول بتصويب المجتهدين باطل وعندي أن هذا القول وهو القول بإصابة المجتهدين يؤدى إلى أن يعود على الإجماع بالخرق وعلى الأمة بالتخطئة لأن الاجتهاد شئ معهود من لدن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم إلى أيامنا هذه وقد أجمعوا على تخطئة بعضهم بعضا ويرتقون عن هذه الدرجة وينسبون مخالفتهم إلى القول بالباطل واعتقاد غير الحق على الإطلاق من غير تحاش وامتناع وكذلك ما زال بعضهم يقيم على البعض الدليل ويدعوه إلى ترك قوله بقوله وإنما فعلوا ذلك لاعتقادهم بإصابتهم وخطأ صاحبتهم وظهر أيضا بين الأمة التفرق حتى انتسب كل طائفة إلى ما لا ينتسب لطائفة أخرى وادعى من إصابة الحق ما لم يعترف من إصابة صاحبه وهذا شئ مشهور لا يخفى على أحد هذا في جانب المجتهدين الطالبين الباحثين وإنما في جانب المطلوب وهو حكم الشارع في الحادثة.

فنحن نعلم أيضا إذ اتدبرنا قانون الشريعة وأصولها وقواعدها أن الحق أيضا هو أن يكون الحكم في الحادثة واحدا وأنه أمر المجتهد بإصابته وطلبه وذلك لأنا نطلب الأحكام في الحوادث التي لم يرد فيها نص من الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على منهاج الإحكام التي ورد فيها نصوص فإن موضع التعلق إما بالمعانى المؤثرة العالقة بالقلوب عند عرضها على الأصول أو الأشباه التي هى موافقة للأصول ملائمة لها ونحن نعلم قطعا أنه لا يوجد في الأحكام المنصوص عليها في الحوادث إلا القول الواحد في الحادثة ولم يعرف وجود حكمين مختلفين يتناولهما النص بحادثة ما من الحوادث بل النصوص في الكتاب والسنة تتناول الحكم الواحد في الحادثة الواحدة فينبغى أن يكون المطلوب على وفق ذلك في الحوادث التي لم يتناولها النص بل ينبغى أن يكون الحق ليكون حكم الحوادث المتفرعة عن الأصول على وفق أحكام الأصول وهذا هو الأولى. بحكمة الله تعالى أن يكون حكمه في الحادثة واحد غير مختلف وأن يجعل الناس في شرعه على السواء خصوصا في الزمان الواحد والشئ الواحد وهو الأولى أيضا عند إرادته جل جلاله لتعريض العبد للثواب وابتلائه لطلبه لأن العبد إذا اعتقد أن كل مجتهد مصيب الحق عند الله تعالى للحقه الكلال والكسل في الطلب بل يتوانى ويقصر ويعتمد على أنه إن أصاب أو أصاب صاحبه فقد أصاب الحق. وإذا علم أن الحق واحد وأن الله عز وجل كلفه الإصابة ببذل مجهوده يتكلف ويتحمل كل كد وتعب في الطلب ليصيب الحق عند الله تعالى ثم يكون التوفيق والهداية له من الهوى على قدر سعيه وكده وبذله

<<  <  ج: ص:  >  >>