للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل هذا قال في الصلاة الوسطى ولا إنكار عليه في هذا العدول لأنه في الحالتين عمل بدليل صار الثانى منهما أولى من الأول ويكون مذهبه هو القول الثانى دون الأول وكان القول الأول مذهبا له قبل الثانى فصار كالمنسوخ بالثانى وعلى هذا نظائر كثيرة في مثل هذين القولين والمذهب في الكل هو الثاني.

والقسم السادس: ما اختلف فيه قوله لأنه عمل بالقياس ثم بلغته سنته لم تثبت عند تخالف موجب القياس فجعل مذهبه من بعد ذكر السنة موقوفا على ثبوتها كالذى جاءت به السنة: من الصيام عن الميت١ والغسل من غسل الميت. رويا له من طريقين ضعيفين فقال بموجب القياس في أن الصيام على الميت ولا غسل من غسله ثم ذكر ما روى في السنة فقال: إن صح الحديث قلت به وأظهر موجب القياس وأوجب العدول عنه إن صح الحديث وقد قال كل قول قلته فثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم خلافه فأنا أول راجع عما قلته وقائل بموجب الحديث وهذا مما يجب إظهار الاختلاف فيه وإن نقول بالسنة إن ثبتت وبالقياس إن لم يثبت ويكون ومذهبه في الحالتين ما يوجبه القياس دون السنة فإن ثبت ففى أى وقت ثبت يكون مذهبا له.

والقسم السابع: أن يذكر القولين لإبطال ما عداها من أقاويل كثيرة قد ذهب إليها المجتهدون أو يكون مذهبه موقوفا على ما يؤدى إليه اجتهاده من صحة أحدهما وإن لم يكن قائلا بهما في الحال ومثل هذا قد جابه الشرع والعمل:

أما الشرع فقول النبى صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: "التمسوها في العشر الأواخر في رمضان" ٢ فنفى أن يكون في غير العشر الأواخر من رمضان وجعل غير الليلة موقوفة على الاجتهاد في العشر الأواخر كأنها إذا اجتهد في الكل أصابها.

وأما العمل المأثور ما عمله عمر بن الخطاب رضى الله عنه في أهل الشورى فجعل الإمامة في ستة نفر ونفى بذلك طلب الإمامة من غيرهم وجعلها موقوفة على ما يؤدى إليه الاجتهاد منهم وهذا شئ انعقد إجماعهم وكان الشافعى رحمه الله مقتديا بالشرع من الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل من الصحابة في مثله فلم يمتنع أن يبطل بالقولين ما عداهما ليكون الاجتهاد مقصورا عليهما ولا يعدوهما.


١ أخرجه البخاري: الصوم "٤/٢٢٧" ح "١٩٥٣" ومسلم: الصيام "٢/٨٠٤" ح "١٥٥/١١٤٨".
٢ أخرجه البخاري: ليلة القدر "٤/٣٠١" ح "٢٠١٦" ومسلم: الصيام "٢/٨٢٦" ح "٢١٦/١١٦٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>