عثمان وعبد الرحمن بن عوف أنه يجوز للعالم تقليد العالم. وقال بعضهم في تقليد الأعلم أن ألعلم له مزية لكثرة علمه وحسن معرفته لطريق الاجتهاد.
وأما الاجتهاد فالإنسان نفسه له مزية من وجه آخر وهو أنه على ثقة وإحاطة من جهة الدليل وما يقتضى الحكم وليس على ثقة من اجتهاد الأعلم وإذا اجتمعا تساويا فيخير بينهما. وقالوا أيضا: إن العالم يقول ما يقول عن دليل وحجة في هذا الموضع أطلق له ذلك كذلك في الصورة الأولى.
وأما دليلنا قوله تبارك وتعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: ٥٩] فأمر عند وقوع الاختلاف برد المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة فوجب بحق الظاهر أن لا يرد إلى غيرهما من أقاويل الصحابة والعلماء ويدل عليه أيضا إجماع الصحابة فإنهم اختلفوا في مسائل كثيرة وتناظروا واجتهدوا ولم يعلم عن أحد منهم أنه قلد غيره أو دعا أحدا إلى تقليد نفسه وخالف أبو سلمة بن عبد الرحمن ابن عباس في مسألة فتحاكما إلى أم سلمه ولم يقل له ابن عباس لا يسوغ لك مخالفتى لأنى صحابى وانت تابع لى فتقليدك لى واجب عليك فثبت أن من جوز التقليد مع إطباق الصحابة على المنع منه فقد خالف الإجماع ويدل عليه أن الله تعالى ذم التقليد وعابه فقال تعالى حكاية عن الكفار: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[الزخرف: ٢٣] وهذا لحقيقة وهو أن قبول قول الغير في الحكم من غير حجة مع تمكن معرفة الحكم بحجة لا يجوز لأن التقليد مذموم شرعا وعقلا.
أما الشرع فقد بينا. وأما العقل فلأنه إذا أمكن في نفسه تقليد غيره فليس قول واحد أولى من قبول قول غيره إلا أنا إنما جوزنا للعامى لأجل حاجة إلى التقليد فإنه لا يمكنه أن يصل إلى معرفة الحكم بالحجة فجوز له التقليد ضرورة وهذا لا يوجد في حق العالم فلم يجز له التقليد لما بينا من قبل وأما الذى تعلقوا به من قوله تعالى:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٤٣] فهو في العوام الذين لا يعرفون الدليل أو عو فيمن لا يعرف نصوص الكتاب والسنة فيرجع إلى من يعرفها وعلى هذا الجواب يخرج إن تعلقوا بقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[التوبة: ١٢٢] فالمراد من ذلك إنذار العوام أو تبليغ الكتاب إلى من لم يبلغه وإنما تقليد العوام العلماء فإنما جاز لأنا لو أوجبنا عليهم معرفة الأحكام والدلائل بالحجج لاشتدت المحنة عليهم وعظمت البلوى فيهم فإنا إذا ألزمنا الكافة النظر