في الدليل أدى إلى مفسدة راجعة إلى كافة الناس لأنه لا يكون منهم من يقوم بأمر مصالح دنياهم وما يقوم به معايشهم ويفسد نظام الأحوال في الأفعال والأعمال وعلى أنا لا نخليه من نوع اجتهاد نوجبه عليه وهو بقدر طاقته واتساع باعه له هو أن يختار من أعيان العلماء أعلمهم عنده وأوثقهم في نفسه فيرجع إلى قوله ويقلده أمر دينه فليكن العالم كذلك وهو أنه يتكلف ما يطيقه ويتسع له علمه وهو مطلق للاجتهاد ومتسع علمه لذلك فلا يجوز له تركه كالعامى الذى يقدر أن يتخير من العلماء فيقلد الأعلم في نفسه والأوثق في علمه فإنه لا يجوز له ترك ذلك. وأما اعتبارهم الاجتهاد بالاجتهاد فقد أجاب بعض أصحابنا عن ذلك وقال: من سهل عليه تناول الأدلة وقرب مواضعها من فهمه فهو بمنزلة من حضر العدو وقرب مواضعه منه فلا يجوز له الاتكال على غيره في الجهاد.
وأما العامى الذى تغيب عنه الأدلة فلا يعرف وجوه الاستدلال فهو يمنزلة من بعدت المسافة بينه وبين عدوه ولحقته المشقة في قطعها إليه ومن كان بهذه الصفة لا يجب عليه الجهاد فقد استوى الجانبان من حيث المعنى.
وأما الذى تعلقوا به من قصة الشورى فهو محمول على أنه دعاه إلى سيرتهما والسياسة والرأى في الأمور وضبط الشرعية ومجاهدة الأعداء والقيام بالآيات١ الثابتة ويجوز أيضا أنه دعاه إلى سنتهما في ما عملا به ولم يظهر لهما مخالف فصار ذلك بمنزلة الإجماع.
وأما الذى قال: إن الأعلم لاجتهاده مزية ولهذا أيضا مزية فخير بينهما. قلنا العالم والعالم وإن اختلفا في غزارة العلم وعدم غزارة العلم ولكن غزارة علم صاحبه لا تفيده علما بلا دليل والواجب هو العلم بالدليل إذا تمكن من الدليل ولأن التقليد من عمل الجهلة والاجتهاد من عمل العلماء فلا يجوز أن يترك عمل العلماء وهو علم إلى علم الجهال. وقوله: إنه يعرف أن ذلك العالم يقول ما يقوله عن دليل. قلنا: وإن كان كذلك ولكن دليله عند صاحبه لا يفيده دليلا في نفسه.
واعلم أن أصحاب أبى حنيفة يفرقون بين العالم والعامى فيقولون: إن العامى يجب
١ ثبت في الأصل [بالانات] ولعل الصواب [بالآيات] أو [بالأباب] . قال في القاموس: هو في أبابه: أي في جهازه وأب به قصد قصده وأب: هزم بحملة لا مكتوبة فيها. والشيء حركه. انظر القاموس المحيط "١/٣٥".