للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صار قاضيا لنفسه فلم يكن عبادة لله تعالى فلا يكون قضاء.

ببينة: أنه قضى لنفسه حيث ارتشى وقضى وقضاؤه لنفسه باطل.

قالوا: واذا كان جاهلا يقضى بقول العالم كأنه يسأله ويقلده ثم يقضى به.

وأما مذهبنا: فإنه لا يجوز أن يكون القاضى إلا عالما عدلا١ لأن الشهادة دون القضاء فإذا اعتبرت العدالة في الشهادة ففى القضاء أولى وكذلك الفتوى فإن الفتوى أولى من القضاء فإذا لم يجز للمفتى إلا أن يكون عالما كذلك القاضي لا يجوز إلا أن يكون عالما وقد فرقوا بين القاضى والمفتى وقالوا المفتى لا يقدر أن يفتى بعلم غيره. وأما القاضى يقدر أن يقضى بعلم غيره بأن يرجع في قضاياه إلى عالم يقضى بذلك.

ونحن نقول: إن قلتم لا يمكن الفتوى بعلم غيره من حيث الصورة فليس كذلك لأنه يمكنه أن يسأل غيره ثم يفتى به كما يمكنه أن يسأل غيره ثم يقضى به وإن قلتم حقيقة ففى الموضعين واحد لأن الفتوى والقضاء كل واحد منهما ينبغى أن يكون عن علم والتقليد لا يرجع إلى علم لأنه التقليد لا يفيد علما للمقلد ولأن العلم يكون بطريق ولم يوجد طريق العلم في واحد منهما رجعنا إلى بقية الكلام في الفتوى والمستفتى.

واعلم أن المفتى يجب عليه أن يفتى من استفتاه ويعلم من طلب منه التعليم فإن لم يكن في الإقليم الذى هو فيه غيره تعين عليه التعليم والفتيا وإن كان هناك غيره لم يتعين عليه لأن ذلك من فروض الكفاية وإذا قام به بعضهم سقط عن الباقين فرضه وعلى هذا نقول إن الإنسان إذا تعين لطلب العلم بإنه لم يكن في ناحيته من يصلح لطلب العلم سواه يجب عليه أن يطلبه ولا يحل له أن يتركه وهذا إذا وجد فيه شروط الطلب وشروط الطلب في الإنسان صحة حواسه ووفور عقله وسلامة اليته فإذا تكاملت فيه الية الطلب وجب عليه الطلب ويجب على المطلوب منه أن يجيب ويعلم إذا تعين لذلك والأصل فيه قوله عليه السلام: "كن عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامس فتهلك" ٢ وروى عن علي رضى الله عنه أنه قال: الناس ثلاث عالم ربانى ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستطيبوا العلم فأن


١ انظر الهداية "٣/١١٢".
٢ وذكره الحافظ الهيثمي في المجمع "١/١٢٧" عن أبي بكرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال: رواه الطبراني في الثلاثة والبزار ورجاله موثقون وانظر كشف الخفاء للعجلوني "١/١٦٧" ح "٤٣٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>