للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام: وعندمى أنه لا يجب عليه أن يبين له تخيره لأنا بينا أنه لا بد للمستفتى في الاجتهاد في أعيان العلماء وإذا وجب عليه ذلك فاختار أحد العلماء باجتهاده واستفتاه فقد صار في هذه المسألة بمنزلة مجتهد والمجتهد لا يتخير بين الأخذ بقول غيره أو باجتهاده بل يلزمه الأخذ باجتهاد فكذلك العامى يلزمه الأخذ بقول هذا العالم ولا يجب تخييره.

واعلم أن جماعة من المعتزلة منعوا العامى تقليد العالم أصلا١. وقالوا: إن العامى لا يأمن أن يكون من قلده لم ينصح له في الاجتهاد فيكون فاعلا مفسدة ومع توهم المفسدة لا يجوز الرجوع وقاسوا أيضا التقليد في الفروع على التقليد في الأصول.

وقالوا: إذا لم يجز في أحدهما لا يجوز في الآخر قالوا: ولأنه إذا قلده في مسائل الاجتهاد وقلتم إن الحق في واحد فلا يؤمن أن يقلده في شىء يكون الحق بخلافه.

وعلى هذا قال أبو على الجبائى: يجوز للعامى تقليد العالم في مسائل الاجتهاد لأن كل مجتهد مصيب فأما فيما ليس من مسائل الاجتهاد إذا قلنا: إن العامى يقلد فيه الحق واحد فلا نأمن أن يكون قلده فيما هو خلاف الحق وقال: هؤلاء لا يجوز أن يأخذ العامى بقول العالم إلا بعد أن يبين له حجته ونحن نقول إن هذا غلط عظيم وخطأ فاحش فأن الصحابة والأمة من بعدهم دليل على خلافه فإن الصحابة ومن بعدهم ما زالوا يفتون العوام في غوامض الفقه ولم يرو عن أحد أنه عرف العامى أدلته ولا نبه على ذلك ولا أنكروا عليهم اقتصارهم على مجرد الأقاويل من غير أن يستخبروا عن الأدلة ولأن العامى إذا حدثت له حادثه فلا بد أن يكون مستعبدا شىء فإن ألزمناه التعلم عند بلوغه خفى فيصير مجتهدا وأوجبنا هذا على كل أحد يؤدى إلى إهمال أمور الدنيا أجمع لأنهم إذا اشتغلوا بذلك فلا بد أن يتعطل أمر الدنيا وأمر مصالحها فإن قالوا: لا يلزمه الاجتهاد لكن العالم يبين له الدلائل يجوز هذا في آية يتلوها عليه أو خبر يذكره عن النبى صلى الله عليه وسلم.

فأما القياس إنما يكون حجة ويجوز للأنسان أن يتوصل به إلى معرفة الحكم الشرعى مقدما فلا يتصور حصولهما لهذا العامى بخبر يخبره العالم له عن ذلك فلا ندرى كيف وقع هذا السهو [....] ٢ ولكن قد بينا أن من لا يكون من أهل الفقه يقع لهم السهو


١ انظر المعتمد "٢/٢٦٠".
٢ بياض في الأصل بقدر كلمتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>