الكبير والأولى بالمتكلمين أن يدعوا هذا الفن للفقهاء وأن يقتصروا على الخوض فيما انتصبوا له مع أنهم لو تركوا ذلك أيضا كان أولى بهم وأسلم لدينهم يدل أنه إذا وقع للأنسان حادثه في صلاته أو صيامه فإذا لم يرجع إلى العالم في الجواب عنها فلا بد أن يسلك طريقا يصير به عالما مجتهدا وذلك بالابتداء بالتفقه والحادثه وحكمها كيف تحتمل هذا التأخير إلى أن يصير هذا الرجل فقيها ومن يضمن له أنه يصير مجتهدا وأكثر طالبى العلم قد قطع الطريق بهم وبقوا مقلدين وإنما يصير الشاذ النادر مجتهدا ويكون بحيث يسلم له النظر وإن قال في الحال يذكر له الدليل فقد بينا أنه لا بد من مقدمات كثيرة ومعرفة طرق وأسباب ووجوه وترتيبات تضل عنها فهوم المتبحرين مثل الفقهاء فكيف يدركه العامى بمجرد ذكره له حتى يصير عالما ويكون وصوله إلى الحكم بعلم نفسه واجتهاده.
وأما قولهم: إنه ربما لا ينصح له. قلنا: هذا باطل فمن روى خبرا في حكم يلزمه الأخذ به لا يقال إنه ربما كذب له ولأنه إذا كان قد اجتمع في المجتهد شرائط الاجتهاد فيمنع ذلك التوهم وهذا كالراوى إذا كان عدلا فإن عدالته تمنع هذا التوهم.
وأما التقليد في الأصول فقد بينا من قبل وقد قال جماعة من أصحابنا الذين يمنعون التقليد في الأصول في الفرق بين الموضعين: إن العامى إنما يلزمه النظر في مسائل مخصوصة في التوحيد وسائل الصفات وإثبات القضاء والقدر وبيان النبوات وما يتصل لها ومدار١ هذه الأشياء أكثرها عقلية وإنما يحتاج العاقل فيها إلى تنبيه يسير فلا يؤدى إلى أن يستغرق ذلك عمره وتعطل عليه مصالحه.
وأما الحوادث الطارئة من الفروع بغير إحصاء ولا عد فالاجتهاد فيها لا يمكن إلا بأمور شرعية لا يمكن ضبطها والاستدلال بها إلا في الزمان الأطول فيؤدى إلى ما قدمنا من دخول المفاسد في أمور عامة الناس. وأما الذى قاله أبو على الجبائى فضعيف لأن ذلك إنما يكون بأن يلزم العامى أن يعرف مسائل الاجتهاد مما ليس في مسائل الاجتهاد وإذا فعلنا ذلك فقد ألزمناه أن يكون من أهل الاجتهاد لأن ذلك لا يميز إلا أهل الاجتهاد وفى ذلك من المفاسد ما قدمناه وذكر فصلا في شرائط المستفتى وما يجب عليه إذا أفتاه أهل الاجتهاد قال أما شرائط الاستفتاء أن يغلب على ظن المستفتى أن من يستفتيه من أهل الاجتهاد مما يراه من انتصابه للفتوى بمشهد من أعيان الناس ويرى أخذ الناس عنه