للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كل هذه الأحوال دعت جمال الدين الأفغاني أن يشتغل بالسياسة، ويحاول أن يحد مخن ذلك الحكم المطلق الذي كان يمارسه إسماعيل، ويرهق به البلاد إرهاقًا شديدًا، ويدفعها إلى أحضان الاستعمار والنفوذ الأجنبي، ووجه مريديه وتلاميذه إلى المطالبة بالنظام الشوري في الحكم، وإلى الإصلاحات الاجتماعية الكثيرة، وإلى محاربة النفوذ الأجنبي، وكانت الصحافة ألسنة، ومنابر تجأر بآرائهم، فظهرت أقلام قوية فتية في تلك الحقبة في يد محمد عبده، وإبراهيم المويلحي وعبد الله نديم وأديب إسحاق، ويعقوب بن صنوع وغيرهم، واتجه النثر الحديث بذلك وجهات جديدة في الموضوع والصيانة، كما سنرى فيما بعد إن شاء الله.

انتهت أزمة إسماعيل والحملات الشيدية التي وجهت إليه، وشعور المصريين بحقهم في المشاركة في الحكم بتنازله عن العرش لابنه توفيق، وكان الشعب يؤمل فيه خيرًا؛ لأنه كان يحضر مجالس جمال الدين ويعده بالإصلاح إذا ولى العرش، ولكنه سرعان ما تنكر لوعوده، وأخرج جمال الدين من مصر، ووقع توفيق تحت تأثير الأجانب.

ثم حدثت الثورة العرابية، وقد ابتدأت بتذمر الضباط المصريين من سوء المعاملة التي يلاقونها في الجيش على يد الجراكسة، والأتراك الذين يستأثرون بالمناصب العليا، ويعاملونهم معاملة غير كريمة، ولكنها ما لبثت أن تطورت إلى مطالبة بالإصلاح الاجتماعي والسياسي، فنادوا بحق المصريين في الدستور والمجالس الشورية، والعيش الحر الكريم، عرف المصريون عن طريق اتصالهم بالحضارة الغربية منذ عصر محمد علي بعض هذه النظم الدستورية، ورأينا رفاعة الطهطاوي في كتابه "تخليص الإبريز" يعد موازنات بين الحكم المطلق الذي يراه في مصر، ويعانيه المصريون من كبت وحرمان، وبين ما يتمتع به الفرنسيون من مجالس نيابية تحاسب الوزراء على اعمالهم وتشرع، وتشرف على الجهاز الحكومي كله، وما يراه الشعب الفرنسي من حرية في القول والعمل، ونراه في أخريات حياته يحدثنا عن الوطن والوطنية، والمواطن الصالح والحرية، وغير ذلك من الكلمات الجديدة على مسامع المصريين بعد تلك القرون الطويلة من الحكم التركي، وعسف محمد علي،

<<  <   >  >>