للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا

ومني على السيد السلام، على الدوام، ومبارك إذا لبس جديدًا، وكل عام وهو بخير إذا استقبل عيدًا، ومرحى إذا أصاب، وشيعته السلامة إذا غاب، وقدومًا مباركًا إذا آب، وبالرفاء والبنين إذا أغرس، وبالطالع المسعود إذا أنجب، ورحمة الله إذا عطس، ونوم العافية إذا نعس، وصح نومه إذا استيقظ، وهنيئًا إذا شرب، وما شاء الله إذا ركب، ونعم صباحه إذا انفجر الفجر، وسعد مساؤه إذا أذن العصر، وبخ بخ إذا نثر، ولا فض فوه إذا شعر، وأجاد وأفاد إذا خطب، وأطرب وأغرب إذا كتب، وإذا حج البيت فحجا مبرورًا، وإذا شيع جنازتي فسعيا مشكورًا، والسلام".

ونرى حفني قد سار في هذه الرسالة سيرا طبيعيًا، ومهد لعتبه تمهيدًا لبقا، فبين كم كان مشوقًا إلى لقائه، والحوافز التي دعته إلى زيارته، ثم أجاد في وصف موكب السيد، ووصف حاله هو حين تخطاه ولم يعره التفاتا، وكيف حز ذلك في نفسه، وبين أنه على الرغم من التفاوت بينهما في المنصب، والجاه والحسب والمال، فإنه لم يزره طالبًا رفده أو منظرًا فضله، ويجب عليه أن يفرق بين أنواع الزوار، وضرب مثلًا بحفاوة السيد يعقوب صروف، وبين أنه لا يقل عنه منزلة، فليس ممن سبقوا إلى الإسلام، ثم اشتد في عتبه وثأر لنفسه في أدب، وبين أنه كريم يحافظ على مكانته، وأنه سيفارقه إلى الأبد ضنا بنفسه عن المهانة، وقطع عليه خط الرجعة، فقدم لك كل ما يمكن أن يقال في المناسبات، حتى تشييع جنازته، فهي رسالة أديب حر كريم، ونموذج صادق في ميدان الأدب والكرامة.

ولقد كان حفني بارعًا في تصوير المواقف، والحالات النفسية والمناظر، وكان أسلوبه فيها شفافًا عن نفسه، لم يحل سجعه دون ظهور صدقه، ولم تحل سماحته وسجاحته دون شدته وقوة عارضته، وقد أفاء على سجعه طلاوة قصر فقراته، ومجيئه متمكنًا في مواضعه حتى لا نحس بأدنى تكلف، وقد ضمنها كثيرًا من الأشعار جاءت في مكانها مناسبة للمقام تمام المناسبة.

<<  <   >  >>